ياهذا، زعمت أنك قادر على الجواب، فهل أنت على قولك؟ قال: أستعين بالله قال: وقد أعجزت المفتين وحيرتهم، أفأنت تستطيع أن تجيب عليها؟
قال: أستعين بالله
قال: هي كذا وكذا. . . قال الجواب كيت وكيت. . .
وابتدر الفقير الباب!
وحف الناس بالقروي، فقالوا: هل أجابك؟ بم أجابك؟ قل لنا بماذا أجابك؟
فقال: وما أنا بقائل لكم حرفا حتى ألقى المفتين، وأسرع وأسرع معه الناس إلى المفتين، وقد عادوا إلى مجلسهم: فقال: أرأيتم ذلك الفقير؟ قالوا: نعم. قال: قد أجابني عن مسألتي فضحكوا من جفائه وجهالته، وقالوا: بم أجابك؟ قال: بكذا وكذا فلما سمعوه أخذ منهم الجد مأخذه، ونظر بعضهم إلى بعض وكلهم مشدوه حائر لا يدري مم يعجب: أمن كثرة علم الرجل مع رثاثة هيئته. أم من رثاثة هيئته مع كثرة علمه، ثم انتهوا، فقالوا: ويحكم، أدركوا الرجل، فان له لشاناً، وما نظنه إلا آية من آيات الله جاءت ترينا حقيقة العلم، وسمو الفقر، وجلال التواضع. . . أدركوا الرجل!
فقالوا: قد خرج
قالوا: أوليس فيكم من يعرفه؟
فقال رجل من القوم: والله ما رأيناه إلا في السميصاتية وقد نزلها منذ أيام، فكان ينظف كنفها ومراحيضها، ويتخذ مجلسه على الباب. حتى أذنوا له بالدخول. وما رأيناه إلا عاكفاً على صلاة أو مشتغلا بتسبيح، ولم يكلم أحداً!
قال المفتون: ويحكم، قوموا بنا إليه. . .
فلما دخلوا عليه، قالوا له: من أنت؟
قال: رجل من الناس
قالوا: قد سمعنا جوابك، وإنا نسألك بالله الذي لا إله إلا هو إلا ما أخبرتنا من أنت
قال: إنا لله وأنا إليه راجعون. . . أما وقد أقسمتم، فأنا أبو حامد الغزالي
فصاحوا: حجة الإسلام! وانكبوا على يديه يقبلونهما، ويسألونه أن يعقد لهم مجلساً في الغد. ثم انصرفوا