ويقول ابن خلكان:(هو إمام أهل الشام لم يكن بالشام أعلم منه). ويقول النووي:(كان إمام أهل الشام في عصره بلا مدافعة ولا مخالفة). ومما يدلك على عظم مركزه في الفقه أنه أجاب في سبعين ألف مسألة فقهية، وقيل ثمانين ألفاً ومما يدلك على علو مقامه وتقدير العلماء له ما ذكره ابن خلكان من أن (سفيان الثوري بلغه مقدم الاوزاعي فخرج حتى لقيه بذي طوى، فحل سفيان رأس بعيره من القطار ووضعه على رقبته فكان إذا مر بجماعة قال الطريق للشيخ)، وناهيك بمنزلة سفيان الثوري ورفيع مقامه في العالم الإسلامي. ولا يغيبن عن البال أنه كان فضلاً عن اشتهاره بالفقه إماماً في الحديث. ويقول كولد زهير: روى عبد الرحمن بن المهدي أن الأوزاعي ليس ثقة في الحديث، ولكنه يعلم كيف يطبق هذه الأحاديث للحصول على حلول المسائل الفقهية
ولم يكن الأوزاعي يتمتع بمركز ديني كفقيه ومحدث فحسب، بل يظهر أنه كان يتمتع بمركز دنيوي رفيع، فقد ذكروا أنه كان عظيم الشأن بالشام (وكان فيهم أعز من السلطان) ولعل القصة الآتية تلقى نوراً على ما ذهبت إليه: قال عبد الحميد ابن حبيب بن أبي العشرين: سمعت أميراً كان بالساحل، وقد دفنا الأوزاعي ونحن عند القبر يقول: رحمك الله أباعمرو! فقد كنت أخافك أكثر ممن ولاني). وبعد، فقد تبين لك من هذه الروايات الكثيرة المحفوظة في الأصول الأدبية والتاريخية ما كان عليه الأوزاعي من الشهرة، ولا نعرف، لاندثار مذهبه، واندفاع المؤرخين في منح المديح والألقاب، صحة هذه الأقوال، ولكنها على أية حال تحمل بين طياتها الشيء الكثير عن عظم الأوزاعي وشهرته
والروايات مجمعة على أن الأوزاعي كان إمام أهل الشام في عصره، وأنه كان على جانب عظيم من المقدرة في الحديث والفقه، وتطبيق الأول على الثاني للحصول على حلول للمسائل الفقهية المختلفة
مذهبالأوزاعي:
انتشر مذهب الأوزاعي، المسمى باسمه، مدة من الزمن في سورية، وبلاد المغرب؛ وذكر صالح بن يحيى أن مذهب الأوزاعي دام في الشام نحو مائتي سنة، وأن آخر من عمل بمذهبه قاضي الشام أحمد بن سليمان بن جند لم، وقد ظلت المغرب متبعة مذهبه مدة لا تقل عن أربعين سنة