للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسرعان ما انهزم مذهب الأوزاعي أمام غيره من المذاهب، والسبب في ذلك - كما يظهر - أن الأمراء وأصحاب السلطة ساعدوا غيره من المذاهب نصراً لسياسة أو تحقيقاً لغرض، كما كانت الحالة مع المذهب الحنفي، ويقول صالح بن يحيى (ثم تناقص بمذهب الأمام مالك على يد عبد الرحمن بن معاوية بن هشام الأموي

ومن المعلوم، أن مذهب الأوزاعي هو أحد المذاهب المندرسة، ويا ليت التاريخ أبقى على هيكله في طواياه، فانه لم يسجل إلا نزراً يسيراً من فقهه لا يمكننا من الحكم عليه. إلا أن هذا النزر يلق نوراً على ماهيته، وقد دلتني قراءته إلى أن اهتمام الأوزاعي بالمسائل الفقهية كان من الوجهة العملية، ولم يكن كصنوه أبي حنيفة مشتغلاً بالفقه من وجهته النظرية. كذلك دلتني قراءة هذا النزر اليسير إلى أن الأوزاعي لم يكن يستعمل الرأي، بل إنه - كما فعل غيره - عدل إلى الكتاب والسنة ففي كلام الأوزاعي عن (سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل)

وعن (المرأة تسبى ثم يسبى زوجها) وعن (ما عجز الجيش عن حمله من الغنائم) وعن (قطع أشجار العدو) ففي كلامه عن أحكام هذه، وعن جميع ما ورد في كتاب (سير الأوزاعي) يستعمل الحديث والكتاب

وقد يطول بنا المقام إن ما شينا فهرس الفصل في سرده، فلا داعي للتكرار، ومن أراد التثبت فليرجع إلى هذه الأقوال في مظانها

ولقد ذهب بعض المؤرخين، أمثال كولد زهير، إلى أن الفقيه الإسلامي قد تأثر بالفقه الروماني. وأنا أقول، إن كان هذا صحيحاً، فأحر بالأوزاعي أن يكون آخر المتأثرين به لأنه من أبعد الفقهاء عن الرأي، ومن أقربهم إلى أتباع الكتاب والسنة. وبذلك قال أبو حاتم: (الأوزاعي إمام متبع لما سمع) والكتاب والسنة أبعد الأشياء عن التأثر بالفقه الروماني

وفاته:

كانت وفاة هذا الفقيه الكبير في سنة ١٥٧هـ، وقد ذكرها أبو الفداء في حوادث تلك السنة، وتوفي وهو في الحمام في بيروت، وقبره على ما ذكره أبو الفداء في قرية على باب بيروت يقال لها خنتوس، وأهل القرية لا يعرفونه، بل يقولون هاهنا رجل صالح. والسبب في وفاته على ما جاء في ابن خلكان، أنه دخل الحمام، واتفق أن صاحب الحمام كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>