الراقي تربى خسرو فنبغ في العلوم والفنون المختلفة، غير أن ميله الغريزي كان إلى ثلاثة: الشعر والموسيقى والتصوف، فأجادها في أقل وقت، وبلغ فيها درجة الإمامة
بداء خسرو يقول الشعر وهو في صباه حتى أصبح الشعر له مهنة معترفا بها من الجميع في نهاية العقد الثاني. ولكن تقاليد ذلك الزمان والظروف العائلية كانت تقتضي أن يكسب العيش بواسطة مهنته هذه، فلم يكن له بد من أن يتصل بأمراء وسلاطين ذلك الزمن من مقدري مهنته. فاتصل خسرو في سنة ٦٧٦ أول مرة بعلاء الدين كوشيل خان المعروف بين الناس باسم (ملك شجو)، وملك شجو كان ابن أخت الإمبراطور غياث الدين بلبن و (أمير حاجب)(أي رئيس الحجاب) في بلاطه. ولكنه كان فاضلاً يقدر العلم والفن، واسع الصدر كريماً. فقد قال المؤرخ الشهير ضياء الدين برنى، وهو من معاصري خسرو وأصدقائه في كتابة تاريخ فيزور شاهي: (أنا سمعت كثيراً ممن أعتمد عليهم، ومن الأمير خسرو أنه لم يوجد مثيل الملك علاء الدين كوشيل خان في سعة الصدر والكرم، وفي إطلاق الرصاص والصيد ولعب الكرة، وكان الملك علاء الدين قد نال شهرة واسعة وإن لم تدم، حتى أن هلا كوخان الشهير أرسل إليه خنجراً وعرض عليه أن يكون حاكما على نصف العراق لو أراد الذهاب هناك. ولكن خاله الإمبراطور بلبن استنكر حريته الخارجة عن العادة. ويذكر المؤرخ برني في محل آخر أن شجو كان أغزرهم جوداً وأعظمهم منحاً، وزع جميع أملاكه على الناس ولم يبق لنفسه إلا المعطف الذي ستر جسمه. ومن أمثال جوده وتقديره للشعر أنه أعطى جميع الخيل في اصطبله للشاعر خواجه شمس معين ووزع عشرة آلاف تنكه على المغنين عند تقديم قصيدته وإنشادها إياه. ولم يكن خسرو أقل حظاً من هؤلاء الشعراء لتفوقه عليهم وذكائه الخارق. فقد قال قصائد غير واحدة في مدح شجو، ونحن ننقل إلى العربية بعض أبيات من قصيدته البديعة التي تعد مثالاً للغلو الشرقي في المديح قال
(إن الأشعة البهيجة لنور الصبح الملون بلون العنبر قد بددت ظلام الليل، والهلال الأصفر كالمريوق بقرنيه المقوسين كاد أن يغيب عن النظر، فسألت الصبح: أين شمسك الموعود بها؟ فأراني وجه شجو المشرق بنوره البازغ! ثم توجهت إلى السماء المرصعة بالنجوم، فسألتها: من يساعد نجومك في سيرها؟ فضحكت من سؤالي العبث، وأرتني أيدي الملك