للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التي جعلتها مستقيمة)

لم يدم اتصال خسرو مع ملك شجو أكثر من سنتين، فان قلب شجو تغير على الشاعر خسرو لحادثة حدثت، وهي أن نصير الدين بغراخان النجل الثاني الإمبراطور غياث الدين بلبن كان مرة على مأدبة شجو والشاعر كذلك، فلما سمع منه شعره استحسنه وسر كثيراً وقدم له طستاً مملوءاً بالنقود الفضية، فغضب شجو على خسرو لقبوله هذا الانعام وتغير؛ وعبثا حاول خسرو بعد ذلك إرضاءه

اتصل خسرو بعد ذلك بنصير الدين بغراخان حاكم سمانا لمدة قصيرة، ثم انقطع عنه واتصل بعده بسلطان محمد الشهير بخان شهيد، النجل الأكبر للإمبراطور غياث الدين بلبن؛ وكان خان شهيد حاكماً على إقليمي البنجاب والسند، وعندما حضر العاصمة دهلي مع ريع الإقليمين في سنة ٧٨٢ هجرية قابل الشاعر خسرو وأخذه إلى البنجاب. بقي خسرو مع خان شهيد خمس سنين، وكان دائماً موضع العطف الخاص والإجلال والتكريم، لأن خان شهيد كان أمثل الأمراء على حسب تقاليد الزمن في الأخلاق والشجاعة والعلم والأدب، ومن أكبر مقدري الفنون والشعر، فقد وجد في بياضه ثلاثون ألف بيت يعترف بها نقاد الفن على كمال الذوق وحسن الاختيار والعلم الواسع، وكان بيته ملجأ العلماء ومأوى الفضلاء، وكان يبذل قصارى جهده في جمع كبار العلماء والفضلاء والشعراء في مجلسه، فقد دعا الشيخ سعدي الشيرازي الشاعر الفارسي الشهير مرتين، وأرسل إليه نفقات السفر ووعد ببناء صومعة له في بلدة ملتان والأنعام الكثير، ولكن الشيخ اعتذر لكبر سنه، وبعث إليه بعض غزلياته مكتوبة بيده، ولفت نظره للشاعر الأمير خسرو مبالغاً في مدح ذكائه وفضله

في سنة ٧٨٧ هجرية هجم المغول على الهند؛ فقام خان شهيد للدفاع عن بلاده وقتل؛ ولم يكن الأمير خسرو جليس الأمراء فقط، بل كان قائداً عسكرياً أيضا، فقد اشترك في محاربة المغول مع سيده ووقع أسيراً في يدهم بعد أن قتل سيده فكابد ما كابد على أيديهم من الألم والأذى. ذكر ذلك بكلمات مؤثرة في رثائه الشهير لسيده ننقل بعض أبياته إلى العربية؛ قال: (ثم فاجأتنا نازلة من السماء الزرقاء، وقامت القيامة على الأرض، إذ فرقت جماعة أصدقائنا مثل تفريق أوراق زهرة الورد بريح الخريف المخربة للحديقة)

<<  <  ج:
ص:  >  >>