(إن شهداء المسلمين لونوا الصحراء بلون دمهم، بينما كانت أعناق الأسارى منظومة نظم الأزهار في الإكليل. وأنا أيضا كنت أسيراً خوفاً من أنهم يريقون دمي، لم تبق في عروقي قطرة من الدم. وكنت أجري كالماء هنا وهناك مع نفطات لا تعد على قدمي مثل الفقاقيع على سطح النهر. وكان لساني قد جف من العطش الشديد، ومعدتي التصقت (بظهري) من الجوع. وهم (أخذوا ثيابي) وتركوني عريان مثل الشجرة المجردة من الأوراق في زمن الشتاء، أو الزهرة المخموشة بالأشواك. والمغولي الذي أسرني كان جالساً على الحصان مثل الأسد، وكانت الرائحة الكريهة تسطع من فمه وإبطه، وكان على ذقنه خصلة من الشعر الوسخ مثل النبات. فان توانيت وراءه من الضعف كان يهددني تارة بمقلاته وتارة برمحه، فكنت أتنهد على تلك الحالة وأرى أن النجاة منها مستحيلة. ولكني أشكر الله على أني استعدت حريتي بغير أن يطعن صدري برمح، أو يقطع جسمي بسيف)
وحكاية استعادة حريته هي أن المغولي وحاشيته وخيله كلهم نزلوا في النهر عند غسق الليل لشرب الماء فانتهز خسرو الفرصة وهرب وبعد وصوله إلى دهلي كتب هذا الرثاء المؤثر الذي شاع وذاع حيث أصبح به خسرو معروفاً عند عامة الناس أيضاً بقي خسرو بعده في مسقط رأسه في خدمة أمه حتى تولى الأمر معز الدين كيقباد، وهو آخر ملوك المماليك، فاتصل به وصنف له كتابه الشهير (قِران السعدين) على طلبه، ولم تمض مدة قليلة حتى انتقل الحكم من المماليك إلى الأسرة الخلجية. فتولى الأمر أول ملوكهم السلطان جلال الدين خلجي الذي كان يعرف خسرو ويعترف بشعره وذكائه قبل اعتلائه العرش. فمنح خسرو لقب (الأمير)، وعينه في منصب أبيه بمرتب ألف ومائتي تنكة في السنة. ثم رفعه إلى منصب محافظ القرآن الملكي. فأصبح من أعضاء بلاط الملك ومن ندمائه. فكتب له خسرو كتابه (مفتاح الفتوح)، وهو تاريخ غزوات جلال الدين خلجي بالشعر. نشبت حرب أهلية بين العائلة الملكية فقتل فيها جلال الدين وتولى الأمر ركن الدين خلجي لمدة أقل من سنة، ثم تولى علاء الدين خلجي، فاتصل به الشاعر خسرو، وهو أطول اتصالاته بالأمراء، لأن حكومة علاء الدين دامت عشرين سنة، وهي أيضا مدة أكثر إنتاجا في حياة خسرو. فقد صنف في أقل من ثلاث السنين الأولى من تلك المدة خمس روايات قصصية