للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه الرسوم في بلاد الأفغان، وأقدم هذه اللوحات بوذية، ولكنها على درجة عالية من الإتقان

وقد قامت في ذلك الحين مدرسة فنية في بغداد التي كانت مركزاً ثقافياً إسلامياً مهما، وإذ كان العرب قد نشروا سلطانهم على هذه الربوع، فقد أدوا للفن خدمة كبرى بأن كانوا وسيطاً قوياً في نقل الروح الغربية إلى الشرق، وتطعيم الفن الفارسي بالفن العربي، وذلك بأن العرب اتصلوا اتصالاً مباشراً بالأمم الواقعة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وتعاملوا معها في جميع مرافق الحياة. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فلابد لنا من أن نشير إلى أن أثر الفن الصيني كان أقوى من تأثير الفن الأوربي في التصوير الفارسي، وإن المقارنة بين الفنين الصيني والفارسي لتظهر لنا هذا أجلى من المقارنة بين الثاني والغربي؛ وكان الاختلاط في أول الأمر قليلاً، ولكن الظروف المحيطة غيرت الأمر الواقع، وزادت الصلات توثقاً، إذ ظهرت دولة المغول، وهم من الجنس الأصفر تحت زعامة القائد المعروف تيمورلنك، فاتصلت البلاد الصينية بربوع الشرق الأدنى، وأصبحت هذه البلاد جميعاً أكثر ارتباطاً من ذي قبل. وهنا كان عصر ازدهار وقوة للفن الفارسي!

ذلك بان الفنانين الفارسيين حين شاهدوا آثار المصورين الصينين أعجبهم هذه البراعة الفائقة والدقة المتناهية في إبراز العواطف والمناظر المختلفة في صور محسوسة تسترعي الانتباه، وتشهد لهم بالعبقرية والفن، إذ كانت هذه الرسوم تستلزم التفكير الدقيق في كيفية تهيئتها وإبرازها على هذا النحو العجيب، ومن ثم بدأوا يجارونهم وينهجون سبلهم، ويترسمون آثارهم وقواعدهم، ورأوا أن إبراز الإحساس بالواقع عند الصفر أكثر مما عندهم، كما شاهدوا الدقة العظيمة والقدرة الرائعة في تجسيم كل ما تقع عليه العين في صورة جذابة، كما أنهم لم ينسوا أن يستلهموا الطبيعة صوراً ويستمدوا منها فنا جعلنا نقف موقف الإجلال إزاء هذا الفن العالي المجسم، حتى إنهم صوروا تسلسل المياه مما لا ينقصه إلا الخرير حتى تكون طبيعة ثانية من عمل المرء بجانب الطبيعة التي أوجدها الله

وقد يظهر لنا من هذا الكلمة السالفة أن الفن الفارسي كان صورة ثانية للفن الصيني، أو هو فن صيني رسمته ريشة فارسية، ولكن الحقيقة هي أنه بالرغم من تأثره إلى حد ما بالرسم الصيني فقد ظل محتفظاً بشخصيته وروحه وطبيعته الفارسية، ولا يشين الفن الإيراني أن يكون قد أجل الفن الصيني؛ ومهما يكن الأمر فهناك فروق تظهر جلية للباحث المدقق، حين

<<  <  ج:
ص:  >  >>