عقد نادي القلم العراقي في بغداد جلسة في دار أحد الأعضاء، وقد ألقى في هذا الاجتماع رئيس النادي الأستاذ رضا الشبيبي محاضرة عن (المجريطي: فلسفته ومكتشفاته) وهي نتيجة دراسة كتاب من أهم كتب المجريطي، وهو من أنفس الآثار العربية النادر اسمه (غاية الحكيم وأحق النتيجتين بالتقديم)، وبعد أن ألم المحاضر بتاريخ المجريطي قائلاً في هذا الباب إنه صاحب رسائل (إخوان الصفا) الأندلسية التي ألفها على نمط (رسائل إخوان الصفا) العراقية فبذر فيما بذر التفكير العلمي في أذهان الأندلسيين، فلم تلبث الفلسفة أن ازدهرت في العصور التي تلي عصره في الأندلس، وجاء منها أمثال ابن رشد وابن الصائغ وابن طفيل وبني زهر وغيرهم من أعيان الفلاسفة والمفكرين. وذكر أيضاً أن المجريطي عالج عدة موضوعات تاريخية وفلسفية، وهو مؤلف كتاب (تاريخ فلاسفة العرب) ترجم فيه الكندي وغيره، وقد استظرف الكندي رسالة موضوعها (كمية بقاء دولة العرب)(؟)
وبعد ذلك شرع المحاضر يسرد نتيجة دراسته لهذا الأثر من آثار المجريطي وقال: يستفيد من هذا الكتاب، أي كتاب غاية الحكيم، من يعنى بدراسة تاريخ الحضارة البشرية في أقدم عصورها، ومستنبطات الأمم العريقة في القدم من أنباط وأقباط وسريان وهنود وغيرهم، ومكتشفاتهم وجهودهم في تقدم العمران؛ وبعد أن أورد هذا ونحوه قال: لا أستبعد أنا والحالة هذه أن يكون لآراء المجريطي ومكتشفاته أثر في عمران الأندلس وازدهارها خصوصاً فيما يتصل بالهندسة والكيمياء وعلم المواليد الطبيعية، وإن سكت المؤرخون عن ذلك كله. واستنتج من مواضع أخرى من الكتاب أن المجريطي فيلسوف يميل إلى الدراسة الشاملة، ولكنه يرجح العلوم الواقعية التي يؤيدها الحس والتجربة، ولا يذعن إلا لأحكام العدد والأرقام في تفكيره. وأنه مفكر من طراز أعظم مفكري العصر في الرياضيات والطبيعيات. وينحو من بعض الوجوه منحى الرياضيين الأوربيين في محاولة إخضاع قوى الطبيعة واستخدامها لرفاه الإنسان ورفع مستواه في سلم الحضارة، هذا ونحوه