أجم لا قرون له، ورأى دقة خصره، وضمور جنبيه، ورأى له ذيلاً كالألية المفرغة الميتة، فظنه من مهازيل الغنم التي قتلها الجدب، وكان هو شبعان ريان، فما كذب أن حمل على الأسد ونطحه، فانهزم السبع مما أذهله من هذه المفاجأة، وحسب جدنا سبعاً قد زاده الله أسلحة من قرنيه، فاعتراه الخوف وأدبر لا يلوى. وطمع جدنا فيه فاتبعه، وما زال يطارده وينطحه، والأسد يفر من وجهه ويدور حول البركة، والقوم قد غلبهم الضحك، والأمير ما يملك نفسه إعجاباً وفخراً بجدنا فقال: هذا سبع لئيم، خذوه فأخرجوه، ثم اذبحوه، ثم اسلخوه. فأخذ الأسد وذبح، وأعتق جدنا من الذبح، وكان لنا في تاريخ الدنيا إنسانها وحيوانها أثران عظيمان، فجدنا الأول كان فداء لابن نبي، وجدنا الثاني كان الأسد فداءه!
قال الصغير للكبش: قلت: الذبح، والفداء من الذبح؛ فما الذبح؟
قال الكبش: هذه السنة الجارية بعد جدنا الأعظم، وهي الباقية آخر الدهر؛ فينبغي لكل منا أن يكون فداء لابن آدم! قال الصغير: أبن آدم هذا الذي يخدمنا ويحتز لنا الكلأ، ويقدم لنا العلف، ويمشي وراءنا فنسحبه إلى هنا وههنا. . .؟
تالله ما أظن الدنيا إلا قد انقلبت، أو لا، فأنت يا أخا جدي. . .
قد كبرت وخرفت!
قال الكبش: ويحك يا أبله! متى تتحلل هذه العقدة التي في عقلك؟ انك لو علمت ما أعلم لما اطمأنت بك الأرض، ولرجعت من القلق والاضطراب كحجة القمح في غربال يهتز وينتفض!
قال الصغير: أتعني ذلك الغربال وذلك القمح وما كان في القرية، إذ تناولت ربة الدار غربالها تنفض به قمحها، فغافلتها ونطحت الغربال فانقلب عن يدها وانتثر الحب، فأسرعت فيه التقاطاً حتى ملأت فمي قبل أن تزيحني المرأة عنه؟
فهز الكبش رأسه فعل من يريد الابتسام ولا يستطيعه، وقال: أرأيت حانوت القصاب ونحن نمر اليوم في السوق؟
قال: وما حانوت القصاب؟
قال: أرأيت ذلك السليخ من الغنم البيض المعلقة في تلك المعالق لا جلد عليها ولا صوف وليس لها أرؤس ولا قوائم؟