بعقله الصواب حين يكون جسمه هو الخطأ مركباً في ضعفه غلطة على غلطة لا عضواً على عضو. .؟ وهل الرأي الصحيح للعالم الذي نعيش فيه إلا بالجسم الذي نعيش به؛ وما جدوى أن يعرف الكبير حكمة الموت، وهو من الضعف بحيث تنكسر نفسه للمرض الهين، فضلاً عن المرض المعضل، فضلاً عن المرض المزمن، فضلاً عن الموت نفسه؛ وما خطر أن يجهل الشباب تلك الحكمة، وهو من قوة النفس بحيث لا يبالي الموت، فضلاً عن المرض؟
لو أذن الشباب من الفتيان بيوم انقطاع أجله، وعلم أنه مصبحه أو ممسيه، لأمدته نفسه بأرواح السنين الطويلة حتى ليرى أن صبح الغد كأنما يأتي من وراء ثلاثين أو أربعين سنة، فما يتبينه إلا كالفكر المنسي مضى عليه ثلاثون سنة أو أربعون. ولو أذن الشيخ بيوم مصرعه، وأيقن أن له مهلة إلى تمام الحول، لطار به الذعر واستفرغهالوجل من ساعته ورأى يومه البعيد أقرب إليه من الصبح. وابتلته طبيعة جسمه المختل بالوساوس الكثيرة، تجتلبها له كما تجتلب الرياح صدوع المنزل الخرب. فذاك بالشباب يقبض على الزمن، فيعيش في اليوم القصير مثل العام رخياً ممدوداً، فهو رابط جلد؛ وهذا بالكبر يقبض الزمن عليه، فيعيش في العام الطويل مثل اليوم متلاحقاً آخره بأوله، فهو قلق طائر. ولا طبيعة للزمن إلا طبيعة الشعور به، ولا حقيقة للأيام إلا ما تضعه النفس في الأيام
ثم إن الكبش نظر فرأى الصغير قد أخذته عينه واستثقل نوماً، فقال هنيئاً لمن كان فيه سر الأيام الممدودة. إن هذا السر هو كسر النبات الأخضر، لا يقطع من ناحية إلا ظهر من غيرها ساخراً هازئاً، قائلاً على المصائب: هاأنذا. .
فهذا الصغير ينام ملء عينيه والشفرة محدودة له، والذبح بعد ساعات قليلة؛ كأنما هو في زمنين أحدهما من نفسه، فبه ينام، وبه يلهو، وبه يسخر من الزمن الآخر وما فيه وما يجلبه
إن الألم هو فهم الألم لا غير. فما أقبح علم العقل إذا لم يكن معه جهل النفس به وإنكارها إياه. حسب العلم والعلماء في السخرية بهم وبه هذه الحقيقة من النفس. أنا لو ناطحت كبشاً من قروم الكباش، ووقفت أفكر وأدبر وأتأمل، وأعتبر شيئاً بشيء - ذهب فكري بقوتي واسترخى عصبي وتحلل غضبي كله وكان العلم وبالاً علي؛ فإن حاجتي حينئذ إلى الروح وقواها وأسبابها أضعاف حاجتي إلى العلم. والروح لا تعرف شيئاً اسمه الموت، ولا شيئاً