إلى كثير!. ولو قد عنى النشء من متأدبينا بدراسة هذا الأدب، وخاضوا في أمهات كتبه، وأطالوا تسريح النظر فيما أثر من روائعه، لرجعوا إلى نفوسهم بأنه أدب عظيم كل عظيم، أدب يمتع حقاً وينعم الروح حقاً بما ينفض من عاطفة متعجلة، ويصور من دقيق حس، ويتدسس إلى ما استكن في مطاوي الضمير، إلى ما أصاب من المعاني البارعة، وما تعلق به من الأخيلة الرائعة، وما تصرف فيه من كل دقيق وجليل في جميع الأسباب الدائرة بين الناس. ما ترك جليلالاً من الأمر ولا دقيقاً إلا مسه وعرض له وعالجه بالتصوير والتلوين، وكل أولئك يصيبه في مصطفى لفظ، ومحكم نسج، وبارع نظم، ودقة أداء، وحلاوة تعبير!
على أن الأدب العربي، مع هذا لقد طالما جال في بعض الأسباب العامة وساهم في الأحداث السياسية والقومية والمذهبية بقدر غير يسير، ومهما يكن من شيء فهو أدب واسع الغنى، رفيع الدرجة؛ بل إنه لمن أغنى الآداب التي قامت في العالم ومن أعلاها مكاناً
والواقع أنه قد انقبض بانقباض الدول العربية وضعف بضعفها، فجعلت تضيق أغراضه، وتتواضع معانيه، ويجف ماؤه، ويتجلجل بناؤه، حتى صار ما صار إليه وظل عاكفاً عليه، إلى ما قبيل نصف قرن من الزمان
ولا يذهب عنك أنه في فترة انقباضه الطويلة قد انبعثت في الغرب حضارة جديدة جعلت، على الزمن، تنبسط وتتناول وسائل الحياة دراكاً حتى بلغت شأواً بعيداً. ومما ينبغي أن يلتفت إليه أشد الالتفات في هذا المقام، أن هذه الحضارة قد أولت أجل عنايتها للشئون المادية، فكان حظ العلوم الطبيعية والكيميائية منها عظيماً، فاستكشفت أشياء كثيرة، واخترعت أشياء كثيرة، حتى كاد الإنسان لا يتناول شأناً من شئون الحياة إلا بسبب طريف. وبذلك كثرت الآلات المادية كثرة تفوق حدود الوصف، وهي تطرد في الزيادة كل يوم، إذ اللغة العربية جاثمة في أفحوصها لا تمتد بالتعريف عن هذا، إذا هي امتدت، إلا إلى قليل، بل إلى أقل من القليل
ولقد كان من آثار فقر العربية في هذا الباب أنها حتى بعد نهضتها الأخيرة لزمت في بيانها دائرة الأدبيات لا تصيب من المحسسات المادية، إن هي أصابت، إلا في حرج وفي عسر شديد! وكيف لها بهذا وليس لها به عهد قريب ولا بعيد؟!
وإذا كانت الحاجة تفتق الحيلة كما يقولون، فقد بعثت النهضة العلمية في عهد محمد علي