(نيدم يقول إن الحرارة تفسد في البذور تلك القوة التي أسماه النباتية. شيء جميل! هل كان جرب قبل أن ينطق؟ وكيف عرف تلك القوة؟ هل أحسها؟ هل رآها؟ هل وزنها؟ هل قاسها؟ لم يفعل شيئاً من هذا، ومع هذا يقول إنها موجودة في البذور! فليكن، وإذن فلنسخن هذه البذور ثم نر)
وأخرج اسبلنزاني قباباته مرة أخرى وأخذ في تنظيفها. ونقعفي الماء النقي أنواعاً عدة من البذور والحمص والفول وغير هذه حتى امتلأت الحجرة بالقبابات، فكنت تراها تشرف عليك من فوق الأرفف العالية، وكنت تراها جالسة على النضد والكراسي الواطئة، وكنت تراها أوطأ من ذلك - قد تربعت على أرض الغرفة حتى يتعذر عليك السير فيها
قال اسبلنزاني:(والآن فلأغل طائفة كبيرة من هذه القبابات أزماناً مختلفة ثم انظر أيها يخرج أكثر عدد من تلك الأحياء الصغيرة). وأخذ يغطس هذه القبابات في الماء الغالي خمس دقائق، ثم يغطس هذه فيه نصف ساعة، ثم هذه ساعة تامة، ثم أخرى ساعتين. وبدل أن يلحمها ويختمها في النار سدها بالفلين. ولم لا؟ ألم يقل نيدم إن هذا يكفي؟ ثم رتبها جميعاً ونحاها؟ وأخذ ينتظر. وذهب يصطاد وينسى أن يشد الخيط عندما تأكل السمكة الطعم، وذهب يجمع المعادن والأحجار لمتحفه وينسى بعد جمعها أن يحملها عند الرواح إلى بيته. وأعمل الحيلة لزيادة مرتبه، وأقام القداسات، ودرس كيف يتناسل الضفدع - ثم اختفى مرة أخرى إلى غرفته المعتمة بما فيها من زجاجات مصفوفة وأدوات غريبة
لو صح قول نيدم، إذن لوجدنا القبابات التي أغليت عشر دقائق تعج بالأحياء، ولم نجد شيئاً في الأخريات التي أغليت ساعة أو ساعتين. ونزع السدادات سدادة سدادة، ونظر في القطرات قطرة قطرة، وأخيراً أخذ يقصف بالضحك، فالزجاجات التي أغليت ساعتين كان بها من تلك الخلائق الحية المرحة أكثر من التي أغليت دقائق
(زعموها قوة نباتية! حديث خرافة وأضغاث أحلام. إنك مادمت تكتفي بسد القبابات فسوف تدخل إليها الأحياء غصباً عنك من الهواء. ولن يغني الغليان عن ذلك شيئاً ولو ظللت تغليها حتى يسود وجهك من سخام النار، فإن تلك الأحياء تدخل إلى المرق من السداد بعد أن يبرد)
انتصر اسبلنزاني بهذا، ثم إذا به يحاول أمراً لا يحاوله إلا العالم القح، العالم الذي أشرب