ولم لا وصبري قد امتزجت فيه الروحية بالجمال؟ ألم ينشأ على ضفاف هذا النيل الذي أوحى إلى الإنسانية أن تبتكر ديناً وإيمانا، ألم يلابس الحياة الأوربية وما تضفيه من فتنة وجمال؟ وبهذا استجاب للروحية المصرية وتمثل الجمال الأوربي، وبهذا اجتمعت فيه مصر بروحيتها وأوربا بجمالها، وبهذا كان نتاجه الشعري مزاجاً من الروحية في معانيه ومن الجمال في أساليبه.
وشعره في الحب، بعد هذا، سمح وديع رضي: لا يفطر القلب أسى، ولا يرسل من العين دمعاً، ولا يبعث من الصدر أنيناً، ولكنه لا يشيع في المرء غبطة في الحياة ورغبة في متاعها ولا يغري بالإسراف والتوفر على لذاتها، وإنما يجمع في شعره لوعة غير مسرفة، ومتعة غير غالية، ذلك لأن صبري لم يكن لاهياً ولا عابثاً ولم يكن كئيباً ولا محزوناً، وإنما كان سمح الذوق، وديع الخلق، رضي النفس، فما كان يذعن قلبه لامرأة واحدة تأسره وتطغي عليه، وما كان ماجناً في حبه سادراً، ولا متهتكا في لهوه مستهتراً، وإنما كان ينشد المرأة التي تشبع القلب ولا تتخمه، وتروي الفؤاد ولا تغرقه، وترضي الشعور ولا تقسو عليه.
وهذه الدعة التي تميز بها في حبه، تشيع كذلك في شعره في مناجاة الله، وازدراء الدنيا، واستشفاف ما في الحياة الأخرى. فهو لم يكن ناسكا في الدنيا زاهداً في لذاتها، ولم يكن مفتوناً بالحياة متوفرا على متاعها، وإنما كان ينال من هذا في قصد ويأخذ من ذلك في اعتدال، فإذا أسرف في حبه للحياة واستمتاعه بلذاتها الرخيصة، ذكر الدنيا وما فيها من نكر وخداع وضلال، وذكر ما بعدها من حساب وعقاب وثواب، فاستعجل الموت وراحة القبرحيناً، وناجى الله وأمل فيه حينا.
ولكن صبري الوادع الهادئ كان إذا تحدث عن وطنه جاشت الحماسة في أنحاء صدره، وفاضت الحرارة في سياق شعره، فمثلت الوطن بجلاله وروعته، وأشعرت المصري بمجده وكرامته، وأذكت نار الوطنية في فؤاده، وألهبت فيه عاطفة التضحية في سبيل بلاده.
وهو في شعره يستلهم العاطفة ويستوحيها. كانت تختلف عليه غير السياسة وأحداثها فلا يحفل بها، وتتوالى أمامه الكوارث والخطوب فلا يأبه بها، وتتراكب في عينيه شؤون الحياة وأمورها، وتزدحم بخيراتها وشرورها، وتغص بلذاتها ومنغصاتها، فلا تسترعي منه حاسة