من بعض اللفائف العصبية في المخ ما ينحدر بالوراثة مطبوعاً على خيره أو شره، لا يد للمرء فيه ولا حيلة له في دفعه أو الانتفاء منه، فيكون قدراً يتسلسل في الخلق ليحدث غاياته المقدورة، فمتى وقع في مخ إنسان فالدنيا كالحبلى ولابد أن تتمخض عنه
هذه اللفافة اليهودية في مخ هذا الطاغية ستحقق به قول الله تعالى:(لتَجدَنّ أشَدّ الناس عداوةً للّذين آمنُوا اليهود.) فهو لن يكون العدو للإسلام دون أن يكون الأشد في هذه العداوة، ولن يكون فيها الأشد حتى يفعل بها الأفاعيل المنكرة. وما أرى هذه المآذن القائمة في الجو إلا تخرق بمنظرها عينيه من بغضه للإسلام وانطوائه على عداوته؛ فويل لها منه!
وأما النقيصة الثانية فقد ابتلي بقوم فتنوه بآرائهم ومذهبهم، وهم حمزة بن علي، والأجرم، وفلان، وفلان. . . وقد لفقوا للدنيا مذهباً هو صورة عقولهم الطائشة، لا يجيء إلا للهدم، ثم لا يضع أول معاوله إلا في قبة السماء ليهدمها. . .! ولو أنا جمعت هذا المذهب في كلمة واحدة لقلت: هو حماقة حمقاء تريد إخراج الله من الوجود لإدخال الله في بعض الطغاة!
ويتلقبون في مذهبهم بهذه الألقاب: العقل، الإرادة، الإمام، قائم الزمان، علة العلل. . .! وهذه هي الشيوعية بعينها، تعمل على هدم فكرة الألوهية وإلحاقها بالخرافة؛ كأن القائم بهذا المذهب هو عقل الناس وإرادتهم، كرهوا أم رضوا، فلا إرادة لهم معه ولا عقل، وهو الزمن فيصبغ الزمن بما شاء، ويجعله كيف شاء، لأنه به وعلة العلل في سياسته وتدبيره
شيوعية آثمة، كبرت في حماقتها أن تقوم بجنون واحد، فلا تقوم إلا باثنين معاً: جنون العقل، وجنون السيف!
المجلد الثاني
أظهر الطاغية أن الله يؤيد به الإسلام، ليتألف الجند والشعب ويستميلهم إليه، وكان في ذلك لئيم الكيد دنيء الحيلة يهودي المكر. فأمر المدارس للفقه والتفسير والحديث والفُتْيا، وبذل فيها الأموال، وجعل فيها الفقهاء والمشايخ، وبالغ في إكرامهم والتوسعة عليهم والتخضع لهم، ودخل في ظلال العمائم. . . وأحضر لنفسه فقهين مالكيين (اثنين لا واحد) يعلمانه ويفقهانه، وكان أشبه بمريد مع شيخ الطريقة يتسعد به ويتيمن؛ أشرف ألقابه أنه خادم العمامة الخضراء، وأسعد أوقاته اليوم الذي يقول له فيه الشيخ: رأيتك في الرؤيا ورأيت لك. . .!