وكانت هذه المعاملة الإسلامية الكريمة من هذا الطاغية - هي بعينها ربا اللفافة اليهودية في مخه؛ تصلح بإقراض مائة، وفيها نية الخراب بالستين في المائة. .! فإنه ما كاد يتمكن من الناس ويعرف إقبالهم عليه وثقتهم به، حتى طلبت اللفافة رأس المال والربا؛ فأمرهم بهدم تلك المدارس وإخرابها، وأبطل العيدين وصلاة الجمعة، وقتل الفقهاء وقتل معهم فقيهيه وأستاذيه، وعاد كالمريد المنافق مع شيخ الطريقة، يقول في نفسه: إن هناك ثلاثة تعمل عملاً واحداً في الصيد: الفخ، والعمامة، واللحية. . .!
إن هذا الطاغية ملك حاكم، يستطيع أن يجعل حماقته شيئاً واقعاً، فيقتل علماء الدين بإهلاكهم، ويقتل مدارس الدين بإخرابها، ولو شاء لاستطاع أن يشنق كل ذي عمامة من سواد المسلمين في عمامته. ويبلغ من كفره أن يتبجح ويرى هذا قوة ولا يعلم أنه لهوانه على الله جعله الله كالذبابة التي تصيب الناس بالمرض، والبعوضة التي تقتل بالحمى، والقملة التي تضرب بالطاعون، فلو فخرت ذبابة أو تبجحت قملة أو استطالت بعوضة لجاز له أن يطن طنينه في العالم. وهل فعل أكثر مما تفعل؟
لقد أودي بأناس يقوم إيمانهم على أن الموت في سبيل الحق هو الذي يخلدهم في الحق، وأن انتزاعهم بالسيف من الحياة هو الذي يضعهم في حقيقتها، وأن هذه الروح الإسلامية لا يطمسها الطغيان إلا ليجلوها
إنه والله ما قتل ولا شنق ولا عذب، ولكن الإسلام احتاج في عصره هذا إلى قوم يموتون في سبيله، وأعوزه ذلك النوع السامي من الموت الأول الذي كان حياة الفكر ومادة التاريخ، فجاءت القملة تحمل طاعونها. . .!
لقد أحياهم في التاريخ، أما هم ققتلوه في التاريخ، وجاءهم بالرحمة من جميع المسلمين، أما هم فجاءوه باللعنة من المسلمين جميعاً!
المجلد الثالث
يرى هذا الطاغية أن الدين الإسلامي خرافة وشعوذة على النفس، وأن محو الأخلاق الإسلامية العظيمة هو نفسه إيجاد أخلاق، وأن الإسلام كان جريئاً حين جاء فاحتل هذه الدنيا؛ فلا يطرده من الدنيا إلا جراءة الشيطان كالذي توقح على الله حين قال:(فَبعزَّتكَ لأُغْويَنَّهُمْ أجمعين.) ولهذا أمر الناس بسب الصحابة، وأن يكتب ذلك على حيطان المساجد