للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نفسه خيال! فهو أدب مصنوع مكذوب على كل حال بل إن هناك شباباً لم يحذقوا شيئاً من لغات الغرب، ولم يظهروا فيها على شيء من آداب القوم، ولكن لقد تعاظمتهم صنعة أولئك فراحوا هم الآخرون يشاكلونها ويحذون جاهدين حذوها ليضافوا هم كذلك إلى جمهرة (المجددين)، وما التجديد في شرعة أكثر هؤلاء إلا الإتيان بالغريب الشامس في نظمه وفي صوره وأخيلته ومعانيه! وإذا كان هذا اللون من البيان مما يصح أن ينتسب إلى أي أدب من الآداب، فانه مما لا يصلح لنا على أي حال!

وإن مما يضاعف الإساءة ويزيد في الألم أن يقبل الناشئون من طلبة المدارس على هذا اللغو فيتخذوا منه نماذج يحتذونها إذا شمروا للبيان، ولن يجشمهم التجويد والبراعة فيه جليلاً من جهد ولا مشقة، لأن قسر أي معنى على أي لفظ، وتسوية الخيال في أية صورة، وليس مما يعي جهد المرء ولا مما يعتريه بالمشاق. ومن هنا يشيع ارخص الآداب، أو أنه ينذر بالشيوع في هذه البلاد! ولو قد ترك في مذهبه هذا لطغى أشد الطغيان ما تغني في صده جهود الأعلام من الأدباء وحينئذ يكتب على مصر أن تعيش من غير أدب أو تعيش بهذا الأدب المنكر الشائه الذي لا نسب له مدة طويلة من الزمان!

الأدب القومي

إذن لا مفر لنا من أن نلتمس أدبنا القومي. ولا يكون هذا الأدب إلا عربي الشكل والصورة، مصري الجوهر والموضوع. وإذن فقد حق علينا أن نبعث الأدب العربي القديم، وننثل دواوينه، ونستظهر روائعه، ونتروى منها بالقدر الذي يفسح في ملكاتنا، ويقوم السنتنا، ويطبعنا على صحيح البيان. فإذا أرسلنا الأقلام في موضوع يتصل بالآداب، بوجه خاص. أطلقنا القول في صيغة عربية لا شك فيها، على ألا نطلب بها إلا الترجمة عما يختلج في نفوسنا، ويتصل بإحساسنا، ونصور بها ما نجد مما يلهمه كل ما يحيط بنا، وما يعترينا في مختلف أسبابنا من فكر ومن شعور ومن خيال

ولقد قدمت لك أننا قد نكون في حاجة شديدة جداً إلى مطالعه آداب الغرب وإطالة النظر فيها، واستظهار الكثير من روائعها. ونقل ما يتهيأ نقله إلينا منها في لسان العرب. وهذا أمر لا شك فيه ولا غناء لنا عنه، فان ذلك مما يهذب من ثقافتنا، ويفسح في ملكاتنا، ويرهف من حسنا، ويهدينا إلى كثير من الأغراض التي تشتعبها آداب الغرب في هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>