للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عثرة ورجاء:

بقيت هنالك مسألة لا يجمل بنا أن نختم هذا المقال دون أن نعرض لها بشيء من البيان: يقولون إن اللغة العربية فقيرة، أو إنها أصبحت فقيرة بحيث لا تستطيع أن تؤدي بعض مطالب الحياة في هذا العصر إلا في شدة عسر وحرج، ولا تستطيع أن تؤدي بعضها أبداً. وهذا كلام، على أنه لا يخلو من الحق، فانه لا يخلو من الإسراف إلى حد بعيد. إذ الواقع أن اللغة العربية غنية سخية بالكثير مما يواتي مطالب العاطفة، ويصور نوازع الشعور أحسن تصوير. فلقد بلغ المتقدمون من شعراء العربية في هذا الباب ما لا أحسب أن قد برعهم فيه كثير من أصحاب البيان في اللغات الأخرى. ولو قد نفض متكلفو الأدب دواوين أولئك الشعراء وفروا ما أجنت من قصائد ومقطوعات لخرج لهم من ذلك ما يبلغهم جليلاً من تصوير مختلف العواطف والتعبير عن خفيات الحس والشعور. وهذا، لو علمت، أجل مطالب الأدب في جميع اللغات. وحبذا لو أكثر الأساتيذ من عرض هذه الأشعار على تلاميذهم، وتقدموا إليهم الفنية بعد الفنية بالحديث في الموضوعات الإنشائية، عن الحس والعاطفة في مختلف الأسباب، واستدركواعليهم ما عسى أن يكون قد أخطأهم في ذلك من ناصح البيان

على أن هناك عقبة أخرى تحتاج إلى جهد في التذليل، وهي أنه في ركود لغة العرب بانقباض حضارتهم، عقد ما لا يكاد يحصره العدد من الاصطلاحات العلمية والفنية، واستحدثت أشياء كثيرة جداً في جميع وسائل الحياة، سواء منها الضروريات والكماليات. ولا شك في أن إصابة هذه الأشياء في لغاتها إفساد للعربية واستهلاك لها. كما أنه لا معنى للالتفات عنها إلا الإعراض عن هذه الحضارة العريضة، بل الإعراض عن أكثر ما نجده وما نعالجه في هذه الحياة. وهذه العقبة تقوم الآن على تذليلها جهود أفاضل الأدباء من جهة، والمجمع الملكي للغة العربية من جهة أخرى، بالغوص عما يدل على ذلك في مجفو العربية سواء بأصل الوضع أو بالطرق الفنية الأخرى

ولقد يكون من المفيد في هذا المقام أن ننبه حضرات رجال هذا المجمع أن الاكتفاء بإثبات ما يتسق لهم من المصطلحات والألفاظ في معجم جامع أو نشرها في كراسات دورية ليس مما يجدي كثيراً في إصابة الغرض المقسوم، فقد ثبت، بحكم التجربة، أن أبلغ الوسائل في

<<  <  ج:
ص:  >  >>