للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السنين!

كيف نعلم الأدب:

ولا شك في أن الينبوع الأول الذي يرده النشء لينهلوا من فنون العربية ويترووا آدابها ويستشعروا بلاغتها، وينبعثوا لترسمها إذا هم أقبلوا على البيان، هو معاهد التعليم على وجه عام، فإذا هي جدت في مهمها وأخذت من بين يديها من التلاميذ بما ينبغي أن يؤخذوا به من أساليب التعليم والتمرين، كان لنا في هذا الباب كل ما نريد

وإذا كان الأدب كسائر الفنون إنما يبرع المرء فيه بالاستعداد الفطري مع الكلف به وشدة الاقبال عليه وطول التمرين فيه بأكثر مما يحرز بالتعليم والتلقين، فان مما لا يعتريه الريب أن للأستاذ، وخاصة في ابتداء العهد بالطلب، أثراً بعيداً في تعليم أصول الفن وبيان حدوده، وإعلام طريقه بين يدي الطالب، وتهذيبه بطول التعهد، وتوسيع ملكاته بألوان الملاحظة، وإسلاس الإجادة له بفنون التدريب والتمرين. ولعمري لو قد أخذ الأساتيذ تلاميذهم بهذا الأسلوب في تعليم الأدب العربي لأحبوه وكلفوا به وانبعثوا من تلقاء أنفسهم لمراجعته في أوقات فراغهم، وإمتاع النفس بتسريح النظر في بدائعه. وكذلك تصبح مطالعة الأدب رياضة يطلب بها الترفيه والاستجمام إذا لحق الكد، وأجهدت المطاولة في طلب العلم. وسرعان ما تستقيم الطباع، وتدرك الملكات، ويجري صادق البيان في الأعراق مجرى الدماء

أما إذا حصب التلاميذ بالقواعد جافة لا يترقرق فيها ماء البيان صافياً، وقنع الأساتذة بأن يلقوا إليهم قطعاً من الشعر أو النثر ليحفظوها دون أن يوصل بين نفوسهم وبين ما تحوي من ناصح البلاغة، فقد استثقلوا الدرس وكرهوه وبرموا به، وتجرعوه تجرعاً إشفاقاً من العقوبة أو من التخلف إذا كان الامتحان! وإني لأكره أن أقول إن إقبال كثرة التلاميذ على هذا الأدب الرخيص الذي يخرج في العامية حيناً، وفي تلك العربية المنكرة الشائهة أحياناً، وتهافتهم عليه، وافتتانهم به، وأخذ الأقلام بمحاكاته وترسمه، إنما هو أثر من آثار ذلك البرم والاستثقال لدروس العربية وآدابها في معاهدنا المصرية!

والآن فالرأي في قيام أدبنا القومي وفي لغة الكتاب العزيز إلى أساتيذ المدارس، وإلى وزارة المعارف، فلننظر ما هم فاعلون!

<<  <  ج:
ص:  >  >>