للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كتبه، فيقول: والله يا أمير المؤمنين لا يقدر أحد من أهل الأرض على ذلك وقال: لا على مثل كلامه ولا على شيء منه؛ وإنا لنستعين بكلامه نكاتب به إلى الآفاق، إلى من لا يعرف أنه كلام الأوزاعي. لكن فقه الشيخ طغى على أدبه، وأخمل ذكره فيه؛ حتى يقول الذهبي في طبقات الحفاظ بعد أن روى عن أبي زرعة الدمشقي أن الأوزاعي كانت صنعته الكتابة والترسل فرسائله تؤثر: قلت: هذا ناقلة سوى الفقه؛ وهكذا غلب الفقه الأدب على الرجل، كما غلبه على الشافعي من بعده؛ وكما لا تزال تهيئ تلك الغلبة ظروف الحياة، فتمضي بأدباء متفوقين إلى غير حرفة الأدب. لكنا لا ننصف حين نؤرخ الأدب فنتابع القدماء على اعتبار أدب الأوزاعي نافلة؛ ولا ننصف إذا أعطينا هذا العهد المبكر بنثره لعبد الحميد وابن المقفع وحدهما؛ ولا نتحرى درس الأوزاعي الأديب الناثر الممتاز إذ ذاك، ولا نعني بجمع آثاره في هذا، ولاسيما بعد ما نسمع قول المؤرخين أنهم عرفوا له كلاماً ومواعظ ورسائل كثيرة. فلعل الأدباء يعنون بجمع هذه الآثار وتتبعها؛ ولعل المؤرخين يعنون بدراسة أثر الرجل ومنزلته بين الأدباء الناثرين في هذا العصر. وفي سبيل هذا التعاون أشير إلى مواضع ذلك في الكتاب المنشور عنه؛ ففي الصفحات - ٨٤، ١٢٠، ١٢١، ١٣٦، كتب للأوزاعي. وفي - ٨٧، ١٢٤، ١٣٧، مواعظ له؛ وفي - ١٣٨ وما بعدها كلمات له وحكم، ولعل الزمن يسعفني على المشاركة في شيء من ذلك الدرس

٢ - تفسير النصوص التاريخية والاستنباط منها

تاريخنا الفني والعلمي والاجتماعي لم يكتب بعد، إذ اتجهت عناية القدماء إلى التاريخ السياسي واستيفائه؛ فلم يتركوا إلا أصولا متفرقة عن التاريخ غير السياسي، وإن النهضة لتتقاضانا هذا الحق، سداً لذلك النقص البادي، ونحن في هذا العصر نحاوله في النواحي المختلفة، وننتفع بما كتبة المستشرقون فيه، ولكن المادة الحقيقية إنما هي تلك المتفرقات القديمة التي كتبها أهل ذلك الشأن، عن قرب ومباشرة، وبادراك صحيح لروح ما يؤرخون وحقيقته. وفي الرجوع إلى هذه المتفرقات نحتاج إلى تفسير النصوص التاريخية بعد فهمها على وجهها فهما صحيحا لنستنبط منها أحكامنا على العصور والرجال والأعمال؛ والمتصدون لهذه الدراسة التاريخية الفنية أو العلمية أو الاجتماعية، يجرون من ذلك على أسلوب أشعر أنه لا يزال يحتاج إلى غير قليل من الدقة؛ وإن أحكامهم معه لا تسلم من

<<  <  ج:
ص:  >  >>