الدخل والوهن؛ وليس هذا موضع الإفاضة والبيان المسهب في ذلك، فانه مما يستحق القول المفرد في غير هذه الفرصة؛ وإنما أحببت في هذا المقام أن أشير إلى ما يقع كثيراً في تفسير هذه النصوص، من عدم الرجوع إلى مواضعات القدماء أنفسهم في الشؤون الخلقية والعلمية والعملية مما تشرحه كتبهم؛ والاعتماد في الفهم على ظواهر العبارات، أو القياس على مواضعاتنا وعوائدنا دون تقدير لما هناك من اختلاف قد يكون كبيراً، وكذلك عدم التنبه إلى نواميس الحياة النفسية الإنسانية التي يجب توفر الخبرة بها قبل التصدي لتفسير أعمال الأشخاص وأقوالهم أو الأقوال عنهم، ثم وجوب رعاية السنن الاجتماعية وتأثيرها وتأثرها قبل الحكم على الحوادث أو الرجال وتعليل الأعمال وبيان آثارها؛ فكل أولئك وكثير غيره مما يجب أن يقوم عليه فهم النص التاريخي، وتفسيره بله الاستنباط منه؛ وليست تلك المهمة من الهوان بما يتراءى لبعض محاولي تلك الدراسة، وأستميح الأديب الجاعوني عذرا في أن أشير إلى بعض تفسيرات تاريخية وردت في مقالته، تمثيلا لهذه الدقة وما تجب مراعاته في هذه المهمة. فهو مثلا يقول، حين عد شيوخ الأوزاعي وتلامذته:(وروى عنه جماعة من الذين سمعهم كقتادة والزهري وغيرهم)(ص ٤١٩ رسالة) وعلق على ذلك في الهامش رقم ٧ بقوله: (يظهر أن قتادة والزهري كانا معاصرين للأوزاعي، فسمع عنهم وبذلك نعدهم أساتذته، ومن ثم رووا عنه، ولذلك يصح لنا تجاوزاً أن نعدهم من تلاميذه)
وتنظر أولا إلى قوله إن قتادة والزهري كانا معاصرين للأوزاعي فلا ترى ذلك صواباً على هذا الإطلاق؛ فهؤلاء من التابعين، وليس الأوزاعي منهم - وإن ادعي بعضهم له ذلك - ثم هم على كل حال جيل آخر، بين وفاة الأوزاعي ووفاة آخرهم نيف وثلاثون عاماً - قتادة توفي سنة ١١٧، والزهري سنة ١٢٣، والأوزاعي توفي سنة ١٥٧ - وتدع هذا فترى تفسير الكاتب لأخذه عنهم وأخذهم عنه واعتبارهم تجوزا تلاميذه، تراه قلقاً مظطربا. وكانت تدفعه ملاحظة عادة القوم في هذا النوع من الروية الذي كانوا يسمونه رواية الأكابر عن الأصاغر، ويفردونه بالبيان الخاص في أصول الروية؛ وكانوا يرمون فيه إلى اعتبار خلقي نبيل من تقدير العلم وأخذه حيث كان، وحطم الكبرياء المغرورة للأستاذية، ليظل المروى عنه أبدا طالب علم، ومرتاد حقيقة يأخذها حتى عن تلميذه، وهذا التفسير نفسه