أولاها إياه اسبلنزانى. إنها قوة أكثر ما تحتاج إليه مرونة الهواء، وقد أغلى اسبلنزانى قبابته ساعة فأفسد مرونة الهواء بداخلها، ففسدت القوة النباتية فلم تتكون الأحياء)
سمع الطلياني بهذا فقام تواً للصراع. ونادى نيدم:(هل من تجارب تثبت بها أن الهواء إذا سخن قلت مرونته؟). وانتظر التجارب فلم يجب نيدم بغير ألفاظ. فصاح به الطلياني:(إذن فأنا آتيك بالتجارب). ورجع إلى معمله مرة أخرى فوضع البذر في القوارير، وصفها وأغلاها ساعة. وفي ذات صباح ذهب إليها يقصف رقابها. قصف الأولى وأرهف سمعه فسمع لها صفيراً. (ما هذا؟). واختطف الثانية فأدناها من أذنه وكسرها فسمع لها صفيراً. (هذا هو الصفير يعود! ومعنى هذا أن الهواء يدخل إلى القارورة أو أنه يخرج منها). وأشعل شمعة وأدناها من فم قارورة أخرى وفض قاها فإذا اللهب ينعطف نحوها. فصاح:(معنى هذا أن الهواء يدخل القارورة، ومعنى هذا أن الهواء بالقارورة أقل مرونة من الهواء خارجها، ومعنى هذا أن نيدم قد يكون على حق!)
وعندئذ أحس اسبلنزانى بجيشان في معدته، وأحس بالعرق يتصبب من جبينه، والأرض تدور به. . . أيجوز أن يكون هذا الأبله نيدم قد خبطها خبطةً عشواء فأصابت؟ أيكون قد تظنن فيما تحدث الحرارة في الهواء المخزون بداخل الزجاج المختوم فوقع على الحقيقة وهو لا يدريها؟ أيكون قد قدر لهذا الفيهق الثرثار اللغاط الهراء أن يفسد عليه الجهد الكبير الذي أنفقه في استنباط الحقائق في حرص وحذر كل هذه السنوات الطويلة؟ وقضى اسبلنزانى أياماً وهو سقيم المزاج، مشتت الفكر، ضيق الصدر، واشتد لتلاميذه واخشوشن من بعد رفق ولين. وأراد أن يروح عن نفسه فأخذ ينشد شعر (دانتى) و (هوميروس)، فلم يزده الإنشاد إلا ضيقاً. واستيقظ في نفسه شيطان أخذ يوسوس له:(قم وادرس لم يدخل الهواء داخل القبابة كلما كسرت ختمها، فلعل هذا لا صلة له بمرونة الهواء). وصاحبه هذا الوسواس الخناس وألح عليه حتى استيقظ ذات ليلة على صوته مخبولاً مرتبكاً. . . . وفي برهة كلمحة البصر وقع على تفسير للمعضل الذي هو فيه، فجرى إلى معمله، وكان نضده قد تغطى بقوارير مكسورة وزجاجات مهجورة تبعثرت جميعها عليه فكانت شواهد على ما كان فيه رجلنا من ترك ويأس. ومد يده إلى قمطر فأخرج منه قبابه. لقد كان ضل الطريق واليوم اهتدى اليه، وعما قريب يثبت أن نيدم مخطئ ضال. وتمطى يملأ رئتيه وسمعهما،