فخرجت به عما وسم العرف به العلماء من طمأنينة وهدوء
وفي الفترات التي تخللت هذا التجميع هذا التدريس، كان ينفلت إلى معمله بأمراقه ومجاهره فيغلقه على نفسه، ويجري فيه التجارب الطويلة ليزيد في إثبات أن الأحياء الصغيرة تنصاع لقوانين الطبيعة انصياع الخيل والفيلة والرجال لها. ووضع قطرات من أحسيته وهي تموج بالمكروب على قطع من الزجاج المنبسط، ونفخ فيها من دخان تبغه، ثم أسرع فنظر إليها بعدسته، ثم ضحك ملء فيه عندما رآها تتهارب لتتقى أثر دخانه، وأطلق عليها شرراً كهربائياً، وعجب لما رآها تطيش وتميد، ثم تتمطى وتموت سريعاً
قال اسبلنزانى:(إن بذور هذه الأخبار الدقيقة أو بيضها قد يختلف عن بيض الدجاج أو بيض الضفدع أو بيض السمك، وهذه الأحياء نفسها قد تصمد للماء الغالي في قباباتي المختومة، ولكن عدا هذا فهي يقيناً لا تختلف عن سائر الحيوانات). ولم يكد أن ينطق بهذا اليقين حتى عاد يسترد ما انفلت به من أنفاسه
فذات يوم وقد انفرد في معمله قال لنفسه:(كل حيوان على ظهر هذه الأرض لا بد له من الهواء ليحيا، وإذن فلأتبين حيوانية هذه الأحياء الصغيرة فأضعها في فراغ خلو من الهواء وأرقبها وهي تموت). وببراعة بينة مط بالنار من أنبوب الزجاج السميك أنبوباً شعرياً رفيعاً كما كان يصنع (لوفن هوك) وغمس أنبوبة منها في مرق يعج بتلك الأحياء، فصعد فيها منه شيء. وأساح أحد طرفيها في النار فسده، ووصل الطرف الآخر المفتوح بمضخة قوية لتفريغ الهواء، وشغلها، ولصق عدسته بجدار أنبوبة الزجاج الرفيع، وأخذ يصوب بصره إلى تلك الأذرع الدقيقة التي منحها الله لتلك الأحياء لتجدف بها في الماء، وضل يرقب من ساعة لأخرى عله يجد في حركتها المنتظمة الهادئة ميدانا وطيشانا، وأخذ يتربص الفناء بتلك الأحياء، ولكن المضخة ظلت في دورانها، وظلت الأحياء في جريانها وروغانها متناسية صاحبنا العالم ومضخته البديعة، متجاهلة هذا الهواء الذي يقول بلزومه لحياة الأحياء. وعاشت أياماً. وعاشت أسابيع. وأعاد اسبلنزانى تجربته المرة بعد المرة. هذا غريب!. هذا محال. لا يعيش حي بلا هواء، كيف تتنفس هذه الأحياء. وكتب إلى صديقه (بونيت) مستغرباً: -
(إن طبيعة هذه الحيوانات مدهشة. فإنها تعيش في الفراغ مثل عيشها في الهواء، وتنشط