العلوية، التي طالما تنهمر من السماء، لتغسل الآم الأرض: وتعاهدت أن تؤازر برسيوس، وتمده بكل ما يسهل عليه أشق أمره. فنزل بلوتو، إله الموتى، عن قلنسوته التي تخفي من يلبسها فلا يراه أحد، وتبرعت مينرفا بترسها الذي يحمي لابسه من حراب الأعداء، وهو درع ثمين من الذهب الخالص، يلمع لمعاناً شديداً، حتى ليعكس المرئيات في صفحته، كأنه السجنجل
وحمل هرمز المنحتين، وعاد بهما إلى حيث يجلس برسيوس فقدمهما إليه، وزوده بجرازه المتلوي القاطع، الذي ليس كمثله سيف ولا حسام. ومنحه نعليه المجنحتين، اللتين تسبقان به الريح، فلبسهما ثم قال له:(تلك يا برسيوس هدايا الآلهة أسبغها عليك. بيد أنه ينبغي قبل كل شيءأن تذهب معي إلى هذه الجزيرة القريبة حيث تقيم ثلاث إناث من السيكلوب ذوات العين الواحدة، فتحتال عليهن حتى تعرف منهن موضع جزيرة الجرجون، لأن أحداً من العالمين لا يدري أين موضعها بالضبط غير هؤلاء السيكلوب. سر إذن على بركة الآلهة في أثري، واحترس لنفسك، والسماء تكلؤك.)
وكم عجب برسيوس حين رآه يطير في إثر هرمز، والبحر من تحتهما تتلاطم أمواجه، ويعج عجيجه، وهما من فوقه كالعصافير المهاجرة، وحطا في الجزيرة المنشودة، بعد أن دوما فوقها طويلا. وكان ذلك بالقرب من كهف حالك، في منحدر صخرة صعبة المرتقى. وقد لمح فيه برسيوس السيكلوب الثلاث، بفضل ترس مينرفا الذي كان يعكس في صفحته كل ما في الجزيرة
إنها مخلوقات غريبة حقاً، ليس كمثلها شيء في الآفاق، شاذة في خلقها، عجيبة في تنسيق جسمها؛ وهي إناث على كل حال، يعيشن في هذه الجزيرة المعشوشبة، بعيدات عن العالم، منزويات في هذا الركن السحيق من أركان الدنيا. وأغرب ما في أجسامهن من شذوذ، أنهن ليس لهن أعين كما للناس، ولكن لهن، لثلاثتهن، عين واحدة! تركبها إحداهن لوقت معلوم، في حفرة غائرة من جبينها، حتى إذا انتهى الوقت وجاءت نوبة السيكلوبة الأخرى، نزعت الأولى تلك العين وأعطتها للثانية، وهذه تعطيها للثالثة بدورها، وهكذا دواليك، وبوساطة تلك العين العجيبة تستطيع السيكلوب رؤية أصغر شيء في أقصى جهات العالم، من دون ما مشقة ولا عناء