تتأهب الدوائر الفنية والموسيقية في ألمانيا وفي جميع أنحاء العالم للاحتفال بذكرى الموسيقي الأكبر يوهان سبستيان باخ وذلك لمناسبة مرور مائتين وخمسين عاماً على مولده. وباخ من أعظم أبطال الفن والموسيقى لا في ألمانيا وحدها، ولكن في العالم كله. وقد كان مولده في مدينة إيزناخ سنة ١٦٨٥، من أسرة عرفت بمواهبها الموسيقية، ونبغ منها أكثر من موسيقي كبير، وقد كان لهذا الظرف أثره في تربية باخ وفي تكوينه، وظهر هيام باخ بالموسيقى مذ كان طفلاً في العاشرة، وكانت أسرته تخشى على مستقبله من هذا الهيام وتخفى عنه المؤلفات الموسيقية ولكن باخ كان يبحث عنها وينقلها لنفسه على ضوء القمر، وكان للغلام صوت بديع لم يلبث أن استرعى الأنظار، فعين مرتلاً في مدرسة لينبرج؛ ولما ساء صوته بعد ذلك عين عازفاً على القيثارة؛ ثم ظهرت مواهبه الموسيقية بسرعة، وكانت رائعة، فاستدعى إلى بلاط فيمار وعين موسيقياً ملكياً، وهنالك استطاع أن يدرس الموسيقى الإيطالية؛ ثم عين بعد ذلك عازفاً على (الأرغن) في كنيسة ارنشتاث، ومن ذلك الحين أعني مذ كان باخ في نحو العشرين فقط، أخذ في وضع القطع الموسيقية؛ وكانت أولى قطعه (رحيل أخي الفجائي) من أبدع ما عرف التأليف الموسيقي، وقد استلهمها من رحيل أخيه عن وطنه ليلتحق بالجيش السويدي، وتزوج باخ بابنة عمه ماريا بربارا، وعاد بعد عامين أو ثلاثة إلى العمل في بلاط فيمار؛ وهنالك أقام نحو تسعة أعوام، ووضع أبدع قطعه الموسيقية، وتأثر في دراسته بالأساتذة الإيطاليين أعظم تأثر. وفي سنة ١٧٢٠ توفيت زوجته ماريا فتزوج من بعدها (أنا فلكنس)، وكانت ذات مواهب موسيقية بديعة، فعاونته في عمله؛ وفي ذلك الحين ابتدأ باخ يضع قطعه الشهيرة المعروفة (بالتوابع). ثم عين باخ أستاذاً للغناء في مدرسة توماس في ليبزج، وهنالك وضع معظم قطعه وأناشيده الغنائية ومنها أناشيد قصة (الآلام)، وقدم في ذلك الحين بعض قطعه إلى أوجستوس ملك سكسونية فأنعم عليه بلقب (مؤلف البلاط). وفي سنة ١٧٤٧ زار فردريك الأكبر في بونسدام ونال عطفه ورعايته، ثم أصيب باخ بضعف في بصره انتهى بالعمى، وعقب ذلك أصابه الصرع؛ وكانت وفاته (سنة ١٧٥٠). وكان باخ فوق نبوغه الباهر في التأليف والموسيقى مخترعاً موسيقياً أيضاً، ومن اختراعاته الوضع الإصبعي الحديث، وتنظيم (البيانو) بحيث يتسع للعزف بجميع الأوضاع والأصوات