وهو متجه نحو الزميل المجرم المسكين. فرأيت العامل الشقي ينظر نحو من حوله وهم حانقون يتهددونه ويتوعدونه، وعند ذلك لم يقو على المضي في مقاومته، بل داخله اليأس وتخاذل مضطربا، فنظر الكاهن إليه وجعل يتكلم بكلمات ورفع يمناه مرة أخرى نحوه، فرأيت العامل المسكين يمد يده بالسوط فيسلمه وينزل عن الحجر الذي كان واقفا عليه ويتقدم في ذلة وخشوع نحو الشيخ الكاهن
فتكلم الكاهن مرة أخرى، ونظر نحو الجمع الزاخر حوله في تؤدة ووقار، ثم رفع يده نحوه، فألقى الكل ساجدين، ثم وقفوا خاشعين، ونظروا إلى الكاهن وهو يقبض على يد أخيهم الشقي، ثم نظروا إليه وهو يسير به نحو حافة البناء ويعصب عينيه، وكانوا عند ذلك لا تتحرك منهم يد، ولا تطرف لهم عين، وهم ينظرون إلى رسول الحكمة ونجي الإله ينفذ رغبة (رع) في العدل والرحمة، وتريث الكاهن قليلا، وهو يحرك شفتيه خاشعا بشيء يشبه الصلاة، فلما أتمها دفع العامل الشقي فجأة فقذف به على المنحدر الذي هوى عليه من قبل الرقيب القاسي، وتحطم كما تحطم ذلك الرقيب من قبل
ونظر الكاهن إلى الجمع المحدق به وقال لهم كلمات خروا بعدها للأذقان سجدا؛ ثم قاموا فأشار إليهم أخرى فانصرفوا وتبددوا كما يتبدد السحاب في الريح، فما هي إلا لحظة حتى عادت السموط تنتظم، وتجرر الأحجار نحو أعلى المنحدر صاعدة إلى قمة البناء الهائل ليبنوا لفرعون قبرا جديرا بمجده
وكانت الشمس قد آذنت بالمغيب، وكنت امتلأ قلبي بما رأيت، فقمت عن الصخرة التي كنت جالسا عليها ووضعت المرآة في جيبي، وجعلت أعزي نفسي عن وقع ما رأيت بأن أقول لها:(رويدك يا نفس! فما زال الإنسان هو الإنسان)