للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كأن لسان حال ابن حجر يقول: يجب ألا يحتقر أحد، وأن يدون كل شيء. ولكن هذه الطبقة شغلت فراغا من الكتاب على غير جدوى ومثلهم كثير في كل عصر ومصر، لو تطلعت نفوسنا إلى التعرض لذكرهم لملأنا منها قماطر ودفاتر، والمقصود تدوين سير العظماء ممن كان لهم أثر محمود في علم وعمل. وفي نظرنا أن من أهم من دون المؤلف حياتهم بعد علماء الدين ورجال الأدب أناسا من أرباب الغناء والموسيقى والهندسة والطب، وبهم في الجملة عرفنا روح ذاك القرن، قرن المماليك في مصر والشأم، بل مبدأ قرون الانحطاط ومنتهى قرون الارتقاء في الإسلام

يقع القارئ في هذا السفر على الروح الذي سرى في ذاك العصر إلى النفوس فلوثها بلوثات التعصب الذميم. وقد ذكرها المؤلف على الأكثر غير متعرض لجرح أو تعديل فيها. بيد أن القارئ لعهدنا، قد وضع المؤلف أمامه هذه الوثيقة أو الوثائق التاريخية الكافية، تهيئ له أسباب الحكم على ذاك المجتمع الذي فاض بالجور السياسي والجور الفكري. فالجور السياسي غزوات الططر (التتر) من الشرق على الديار الشامية، أي الجزء المتمم للملكة المصرية إذ ذاك، وغزوة بعض شعوب الإفرنج بعض السواحل المصرية حتى افترضها أحد الجورة من المماليك فرصة ليصادر النصارى في مصر ويستصفي ما في بعض كنائسهم من الجواهر والمعادن الكريمة أو يخربها حبا في التخريب وإبلاغا في النكاية على زعمه. هذا هو الجور السياسي. أما الجور الفكري فتحامل الموسومين بالدين على من بيت منهم بعض نزعات قيل إنها مخالفة للشريعة فكان جزاؤهم القتل. وما نظن أكثر تلك التهم مما يصح أن يتهم به صاحبه من أنه جنى بما قال على الدين إذا تدبرنا ما لاقاه شيخ الإسلام ابن تيمية من متعصبة العلماء في عصره في مصر والشام، وهو النابغة الذي عقمت القرون عن أن تلد أمثاله بعلمه وعقله وإخلاصه على ما دون ذلك ابن حجر في هذا الكتاب. فكانت ترجمته له أحسن ترجمة فيه لأول عالم نابغ في أول القرن

ثم إن من نظر في كتب المتأخرين وكتب المتقدمين يجد فروقا كثيرة بين الأولى والثانية: فروقا في الأسلوب وفي المكتوب؛ وهل التاريخ إلا مرآة العصر الذي يكتب فيه، وروح صاحبه الذي يمليه؟ وما كان لأبن حجر أن يكتب في التراجم ويجود إجادة ابن خلكان في وفيات الأعيان مثلا، ولا للسيوطي في مؤلفاته التاريخية أن يجود تجويد الكندي صاحب

<<  <  ج:
ص:  >  >>