للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سمكة، وقد حملت جميعها البطاقة الحمراء لجامعة بافيا. وخرج فولتا يتخبأ في طيات عباءته السوداء، وفي طريقه إلى داره أخذ يدبر المكيدة لاسبلنزاني، واجتمع بالأستاذين إسكاربا وأسكوبولي وما كاد اسبلنزاني يعود من سياحته فيخطوا عتبة داره، حتى كان هؤلاء الثلاثة الأشراف قد فتحوا كوة من جهنم فاندلعت ألسنتها في أروبا تعلن فضيحة صاحبنا للأمم، فما تركوا رجلا نابها من رجالاتها، ولا جماعة من جماعاتها إلا بعثوا إليها بكتاب يتهمونه فيه بسرقة متحف بافيا، ويقولون إنه خبأ ما سرقه في متحفه الخاص باسكنيانو

وفي لحظة أحس صاحبنا دنياه العظيمة تتقوض حوله، حتى ليسمع تصدع حيطانها وانهيار بنيانها. وفي دقيقة وجد جنته البهيجة تتصوح، حتى ليرى زهرها الجميل يذبل، وريح ريحانها تحول؛ وأخذ يحلم يقظان، فخال أنه يسمع اليوم ضحكات رجال مجدوه بالأمس، وشماتة خصومه قهرهم شر قهرة بحقائقه وتجاربه، حتى خال أن (القوة النباتية) التي قضى عليها قضاء مبرم تنبعث من قبرها وتخرج من كفنها

ولكن لم تمض عليه أيام حتى تماسك، وأحس أن الأرض لا تزال جامدة تحت قدميه. بالطبع كانت الفضيحة لا تزال قائمة، وألسنة الأعداء لا تزال صاخبة، ورحى الحرب لا تزال دائرة، ولكنه تجمع بعد تشتت، وتبوأر بعد تشعع، فألضق ظهره إلى الحائط، وامتشق سيفه، وصاح في القوم بالنزال. ذهب عنه الصبر الذي صحبه في صيد المكروب، وغابت عنه اللطافة والظرافة اللتان زانتا كتبه إلى فلتير، وأصبح كالنمر الغاضب، وأخذ يدفع النار بالنار! وجاءه دهاء الساسة فطلب تعيين لجنة للتحقيق فأجيب طلبه

وعاد إلى بافيا، ولعله وهو في الطريق إليها كان يتهيب دخولها، ويدبر أمره لينسل فيها انسلالا، حتى لا يرى عيون أحبابه الأقدمين تزور عنه، وحتى لا يسمع شفاههم تهمس فيه بالشر، ولكنه ما كاد يصل إلى أبواب بافيا حتى وقعت أعجوبة نعم أعجوبة، فقد تلقاه فعلا على أبوابها جم غفير من تلاميذه مهللين مكبرين فرحين مرحبين بقدومه، وقالوا أنهم له لناصرون، والتفوا حوله في صراخ وزئاط حتى بلغوا به كرسيه القديم الذي كان يحاضر عليه بالجامعة. وقام هذا الرجل القوي، الذي اعتمد دائما على نفسه، واعتز دائما وأعجب بنفسه، قام في هذا الجمع الكبير يخطب شاكرا ويعترف لهم بالجميل، فإذا بصوته يخذله،

<<  <  ج:
ص:  >  >>