وإذا به يرفع منديله إلى أنفه، وإذا به يجتزئ بأن يقول لهم في كلمات قليلة وصوت أبح إنه يقدر هذا الإخلاص تقديرا عظيما
وانعقدت لجنة التحقيق، واستدعته هو وخصماؤه إليها. والآن بعد أن عرفت من هو اسبلنزاني تستطيع أن تصور لنفسك العراك الذي تلا هذا اللقاء، بل المذابح والمجازر. وأثبت للقضاة أن الطيور التي زعموا أنها سرقت لم تكن إلا طيورا خسيسة، ساء حشوها واتسخ ريشها، فقذفوا بها في الكناسة قذف النعال البالية. وهي طيور لا تليق بمتحف في مدرسة بقرية فضلا عن جامعة. وأما الثعابين التي زعموا أنها ضاعت من متحف بافيا فلم تضع، وإنما استبدل بها أشياء أخرى من متاحف أخرى، وكانت بافيا الرابحة في هذا الاستبدال. وأما السارق الذي تبحثون عنه فهو فولتا، كبير المتهمين هذا، فانه سرق من المتحف أحجارا كريمة وأهداها أصدقاءه. . . .
وبرأه القضاة من تلك الوصمة، ولو أن تاريخ اليوم لا يستطيع أن يؤكد كل التأكيد أنه لا يستحق ولو قليلا من الملام. وعزلت الجامعة فولتا والمؤتمرين معه شر عزلة. وبعث الإمبراطور أمره إلى المتخاصمين وأشياعهم أن يقلعوا عن خصامهم ويعقدوا ألسنتهم؛ فإن الأمر كان استحال إلى فضيحة عامة شاع خبرها في أوروبا؛ وبلغ جدال الطلاب فيها حد العنف والاستهتار بالنظم فحطموا الأثاث بقاعات الدرس، وجامعات أوروبا أخذت تتسارق الضحك من هذه الجرسة التي لم يسبقها مثيل. وأراد اسبلنزاني أن يطلق آخر طلقة على أعدائه المنهزمين فسب فولتا بأنه مزمار ذو فوهة كبيرة جوفاء لا يملؤها غير الهواء، أما الأستاذان اسكاربا وإسكوبولي فأسماهما أسماء غاية في البذاءة يمنع التجمل من كتابتها. وبعد هذا عاد مطمئنا إلى صيد مكروبه
وعاوده سؤال كان يجيئه مرارا في السنوات الماضية العديدة التي قضاها في التحديق إلى حيواناته الصغيرة، وهو: كيف تتكاثر تلك الحيوانات؟ أنه كثيرا ما رأى الفردين منها متلاصقين، فكتب إلى بونيت يقول:(إنك إذا رأيت فردين من أي نوع متزاوجين، استنتجت بطبعك أنهما يتناسلان). ولكن هل هذا التزاوج الذي أراه بين هذه الحيوانات الضئيلة تناسل؟ لم يحر لسؤال نفسه جوابا، فانه على رعونته في أمور أخرى، كان شديد الأناة في العلم، حذرا في استنتاجاته حذر (لوفن هوك). لهذا اكتفى بأن سجل هذا السؤال