على الورق من غير جواب، ورسم صورة هذه الأحياء أزواجا كما رآها
وكان لـ (بونيت) صديق يدعى صوصير وكان رجلا ذكيا أضاع اسمه الزمان. فلما علم بالذي كتبه اسبلنزاني إلى صديقه قام يدرس كيف تتناسل تلك الأحياء. ولم يمض غير قليل حتى نشر بحثا مذكورا إلى اليوم، يقول فيه إنك إذا رأيت اثنين من هذه الحيوانات متلاصقين فلا تظنن أنهما التصقا ليتناسلا. إذ الواقع الغريب أنهما حيوان واحد، انشق انشقاقا فصار حيوانين. وهذه هي الطريقة التي تتكاثر بها هذه الأحياء، أما الزواج فهي لا تعرف للذائذه طعما
قرأ اسبلنزاني هذا البحث فطار إلى مجهره، وهو لا يكاد يصدق ما قرأ، ولكنه نظر، وداوم النظر، فأثبت صدق صوصير. وقام الطلياني إلى دواته يهنئ السويسري تهنئة حارة على ما كشف. كان اسبلنزاني يميل للحرب والخصام، وكان يميل للكيد بعض الميل، وكان أمالا شديد الأمل، وكثيرا ما كان يغار من اشتهار غيره من الرجال، ولكن إعجابه بتلك الملاحظة الدقيقة التي أتاها صوصير، واستغراقه في جمال تلك الحقيقة التي وجد، أنساه أمله، وأنساه غيرته، فكتب يهنئه بالذي كتب فانعقدت بين اسبلنزاني وصوصير والعلماء الطبيعيين في جنيفا روابط مبهمة، ولكنها على إنبهامها متينة، هي نتيجة استشعارهم بأن الجماعة تستطيع أن تتعاون فتكشف من الحقائق الكونية ما لا يكشف عنه الأفراد متفرقين، ونتيجة اقتناعهم بأن صرح اعلم لابد لإقامته من بنائين عديدين متفقين على رسمه ورفع حجره وانسجام أوضاعه. وكره هؤلاء العلماء الحرب أول من كره، فهم أول من صدق الدعوة لائتلاف الأمم لتكون أمة واحدة هم أبر رعاياها
وقام اسبلنزاني بعدئذ ببحث من أمجد الأبحاث التي قام بها في حياته، دفعه إليه حبه لأصدقائه السويسريين وإخلاصه لهم، وكذلك كرهه لشقشقة علمية جديدة شر من تلك الأكذوبة القديمة الشهيرة (بالقوة النباتية). وحديث هذه الشقشقة أن إنجليزيا يدعى (أليس) كتب يقول: إن صوصير كان مخطئا، ويقول إن هذه الحيوانات قد تنقسم أحيانا، ولكن ليس معنى هذا أنه سبيلها في التولد والتكاثر، فإن هذا الانقسام إنما يحدث من أن حيوانا من تلك الحيوانات يسبح في الماء بسرعة كبيرة فيختبط متعامدا في بطن حيوان مثله فيشقه نصفين. وزاد (أليس) على هذا أن هذه الحيوانات تولد من أمهاتها كما يولد الناس، وقال