إنه كلما حقق النظر في تلك المخلوقات، في بطون تلك الأمهات، رأى فيها بناتها لم تصب بعد ميلادا، وكلما حقق النظر في بطون البنات رأى فيها أحفادا
فصاح اسبلنزاني لنفسه يقول:(أضغاث حالم، وتخريف معتوه) ولكن كيف يثبت أنها أحلام؟ كيف يثبت أنها تخريف؟ كيف يثبت أن هذه الأحياء تتكاثر بالتناصف؟ لقد كان عالما متشبعا بروح العلم، يعرف الفرق بين السب والشتم واتهام خصيمه (أليس) بعمى البصر وخرف العقل، وبين أن ينقض بالحجة الدامغة ما يقوله من أختباط تلك الأحياء فانقسامها أشطارا
وفكر قليلا فواتته الحجة. قال لنفسه:(كل الذي علي لأثبت خطأ هذا الجاهل الفدم هو أن آتي في ماء بحي واحد من تلك الأحياء لا ثاني له فيختبط بهن ثم أجلس أرقبه في المجهر حتى ينقسم نصفين، وبذلك أقطع لسان الثرثار الغبي). وفي الحق هذه طريقة بسيطة للبت في أحد الرأيين، بل هي الطريقة الوحيدة لأبطال إحدى النظريتين، ولكن الصعوبة الكبرى في استخراج حي واحد من هذه الكثرة من الحيوانات. أنك تستطيع أن تفصل الجرو الواحد من مجموعة الجراء، وتستطيع أن تعزل السمكة الصغيرة من بين أخواتها الكثيرات، ولكن قل بربك كيف تستطيع بيدك أن تمسك بذيل حي من تلك الأحياء المجهرية، وهي أصغر مليون مرة من تلك السمكة الصغيرة
فاعتزل اسبلنزاني دنياه الزائطة بحفلاتها ومحاضراتها وجماهيرها المعجبة به، وأخذ يبحث عن طريقة يفصل بها واحدا من تلك المخلوقات، مخلوقا لا يعدو طوله بضع أجزاء من ألف من المليمتر، ويفصله وحده لا ثاني له
ذهب إلى معمله وأسقط قطرة من ماء تعتلج تلك المخلوقات فيه على قطعة منبسطة من الزجاج الرائق النظيف، وأسقط إلى جانبها بأنبوبة شعرية نظيفة قطرة أخرى من الماء النقي الخالي من تلك الخلائق. ونظر إلى القطرتين من خلال عدسته، وجاء بإبرة رفيعة فغمسها بالقطرة الأولى، ثم خرج بها في خط مستقيم حتى وصلها بالقطرة الثانية النقية، وبغاية السرعة صوب نظره إلى قناة الماء الرفيعة التي وصل بها بين القطرتين، وابتسم اغتباطا لما رأى حيا من هذه الأحياء يدخل القناة في تخطر والتواء. فما كاد يصل القطرة النقية من الماء حتى اختطف اسيلنزاني ريشة نظيفة فقطع بها البرزخ الذي يصل