للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يرى ويسمع، فلما شاهد من ضعف دفنيه وقرب تسليمها، تناول قوسه، وانتقى سهما مسنونا من كنانة الأسهم الرصاصية وسدده إلى قلبها، فصرخت المسكينة صرخة داوية، وهبت في وجه أبوللو تقول: (إليك عني أيها المسخ! تنح! أبغضك! أكرهك! أغرب عني! أنت أنجس من التيتان، وألأم من شارون، أذهب! لا أطيقك؛ انظر إلى هذا الغدير لترى الشرر ينقدح من مقلتيك، والدخان يصاعد من منخريك! كريه. . كريه. . شائه أنت أيها الوحش. .)

وكذلك كان فعل السهم الذهبي قد شارف أن يبطل في قلب أبوللو. . وكاد الإله العظيم يخلص من هذا السحر العجيب، فيسحق دفنيه، لولا أن تنبه كيوبيد، فأصماه بسهم ذهبي آخر، فجن جنونه، وتجدد حبه، وتألب به هواه. . . فصرخ صرخة راجفة، وأشار إلى السد فزال عن طريق دفنيه، فانطلقت تعدو. . وتعدو. . . وانطلق هو في إثرها يتوسل. . ويذرف أغلى العبرات!!

لقد كانت دفنيه تطوي الطريق كأنها فكرة شاردة في رأس شاعر، ولقد كان أبوللو يقتص آثارها كأنه الكوكب السيار منجذبا إلى نجم كبير! وكان كلما سرق اللمحة من ساقيها الجميلتين التهب قلبه بحبها، واشتعلت نفسه بالرغبة الملحة فيها، وانجذبت روحه إليها. . . . يا لكيوبيد! ويا لسهامه. . . . الذهبية. . . والرصاصية، على حد سواء!!

وتعدو دفنيه حتى تكون عند حفافي النهر العظيم الذي أقام زيوس والدها الكبير إلها عليه، فتصرخ قائلة: أنقذني يا أبي! خلصني من هذا الوحش الذي يدعى أنه أبوللو الكريم! إنه يعدو من ورائي. . . خلصني منه. . . إني أبغضه. . . يا أبي. . . يا أبي. .)

وينشطر الماء، ويخرج أبوها، إله النهر، فيرى أبوللو مقبلا فيعرفه، ولكنه يرق لابنته، ويقسم ليخلصنها من سيد الشمس، فيغرس قدميها في الشاطئ، ويحتفن من الماء بيديه، وينثرها به، بعد أن يتلو عليه من تعاويذه؛ ويقف أبوللو مشدوها، موزع اللب، ينظر ويرى!

لقد تحولت دفنيه، في لمحات، إلى شجرة باسقة من أشجار الغار، وأخذت الخضرة تينع في أغصانها، بين حيرة أبوللو وشدة تعجبه!

ووقف الإله العظيم يبكي ويا ويح العاشق المخبول!

ثم تقدم فبارك الشجرة، وسقاها من دمعه، الذي كان من خلائقه الكبر! وانصرف محطم

<<  <  ج:
ص:  >  >>