حدثت في الدين بدع أكلت الفضائل وحصدت العقائل، وترامت بالناس إلى حيث يصب عليهم ما استفرغه (كيمون).
أما لو رجع المسلمون إلى كتابهم واسترجعوا باتباعه ما فقدوه من آدابهم لسلمت نفوسهم من العيب، وطلبوا من أسباب السعادة ما هداهم الله إليه في تنزيله على لسان نبيه، ومهده لهم سلفهم وخطه لهم أهل الصلاح منهم، واستجمعت لهم القوة ودبت فيهم روح الفتوة، وكان ما يلقاه هانوتو وكيمون من دين صحيح شراً عليهما مما يخشونه من دين شوهته البدع.
يرى كيمون أن تخلى وجه الأرض من الإسلام والمسلمين، ويستحسن رأيه هانوتو لولا ما يقف في طريق ذلك كثرة عدد المسلمين؛ وبئسما اختارا لسياسة بلدهما أن يظهرا ضغنهما، ويعلنا خطل رأيهما وضعف حلهما.
أما فليعلم كل من يخدع نفسه بمثل حلمهما أن الإسلام إن طالت به غيبة، فله أوبة، وإن صدعته النوائب فله نوبة، وقد يقول فيه المنصفون من الانكليز مثل (اسحق طلير) وهو قس شهير ورئيس في كنيسة:
(إنه يمتد في أفريقيا ومعه تسير الفضائل حيث سار، فالكرم والعفاف والنجدة من آثاره، والشجاعة والاقدام من أنصاره).
بهذا القلم وهذه المعرفة وهذا الذهن، وقف رجل الإسلام الحديث محمد عبده يذود عن بيضته أمام عدوان جهابذة الفكر والقلم من الأوربيين.
أما في الكتابة الأدبية، فأذكر (على هامش السيرة) للدكتور طه حسين، ففي هذا الكتاب دفاع عن الإسلام كما يستطيع الأدب البحت أن يدافع. فهو لا يسلك الطريق المستقيم في الكلام عن الإسلام، ولا يلجأ إلى التدليل العقلي، إنما يخلق جواً شعرياً يحبب إلى النفس سيرة النبي وبيئته؛ وقد عمد الدكتور طه حسين إلى الأساطير ينسج منها هذا الجو الأدبي الجميل، وتلك وسيلة الأدب والفن، ومن ذا يقرأ هذا الوصف لبلاد النبي ولا تأخذه روعته؟:
(هنالك دعت (آمنة) إليها من حضرها من نساء بني هاشم، فأسرعن إليها وقضين معها ليلة لا كالليالي، أنكرن فيها كل شيء وأعجبن بكل شيء، أنكرن حتى أنفسهن، فقد رأين ما لم ير أحد، وسمعن ما لم يسمع أحد، وأحسسن ما لم يحس أحد. ولم تكن آمنة أقلهن إنكاراً