وإكباراً وإعجاباً - فقد كانت ترى وهي يقظة غير نائمة أن نوراً ينبعث منها فيملأ الأرض من حولها، ويزيل الحجب عن عينيها، وكانت تنظر فترى قصور بصري في أطراف الشام، وكانت تنظر فترى أعناق الإبل تردى في أقصى الصحراء، وكانت لا تتحدث إلى من حولها بما ترى مخافة أن ينكرن ما تقول، وأن يظنن بها الظنون، وكانت هذه من صاحباتها لا تمد طرفها إلى شيء حتى تراه نوراً كله، لا ظلمة فيه وإنما هو مشرق مضيء، أو هو الإشراق الخالص، وكانت هذه الأخرى من صاحباتها تنظر، فإذا نجوم السماء تدنو من الأرض وتمد إليها أشعة قوية نقية باهرة ساحرة، وإنها لتدنو وتدنو حتى يخيل إلى الرائية أنها توشك أن تمسها وتقع عليه).
لقد دافع طه حسين عن الإسلام في كتابه (على هامش السيرة) وإن كان لم يقصد إلى ذلك. فان الأدب الصرف والفن الصرف لا يقصدان أحياناً إلى شيء، ولكن في مجرد صوتيهما أبلغ الكلام.
أما في الكتابة العلمية فها هو ذا كتاب (حياة محمد) للدكتور محمد حسين هيكل بك. ولو أني أعتقد أن أسلوب الدكتور هيكل في (حياة محمد) يدخل أيضاً في منطقة الكتابة الأدبية، فان هذا الكتاب يعتبر في نظري من كتب (التراجم والسير) التي يضعها الكتاب الأدباء، لا من البحوث العلمية التي يؤلفها المؤرخون العلماء ويعنون فيها بإضافة شيء جديد إلى العلم المعروف، أو استكشاف وثيقة من الوثائق التحريرية أو الآدمية، أو تحقيق مصدر من المصادر. على أن كتاب هيكل هو بلا نزاع أول سيرة نبوية خليقة أن تمثل تطور العقلية الإسلامية في هذا العصر الحديث.
وما أشق انتظارنا هذه الأجيال الطويلة لهذه السيرة الحديثة نضعها إلى جانب سيرة ابن هشام والسيرة الحلبية وطبقات ابن سعد وغيرها من السير القديمة حتى يستطيع عصرنا أن يجهر بأنه فعل شيئاً من أجل الإسلام.
ولو ان الأستاذ الشيخ محمد عبده حي اليوم لاستقبل هذا الكتاب بمثل ما استقبله به الأستاذ الشيخ المراغي، فرحاً بهذا القلم الجديد ينهض لخدمة الحق والإسلام.
ولقد ذكرت هذه الكتاب وهذه الأساليب الثلاثة بالذات لما رأيته فيها من نظرة جديدة إلى محمد والإسلام. نظرة ملؤها الاكبار الصادر عن فكر حر لا عن تعصب أعمى. ان الناس