وفكر ملياً في نظامها العجيب فكشف عن بصيرته وبصره فامتلأقلبه بالله، كما اقتنع عقله بوجوده، فجاء دينه ديناً كاملاً، صادقا في نظر القلب والعقل معاً. ولئن كان على الأرض نبي أحب العلم، ولم يخش دينه العلم، ولم يضطهد العلماء، فهو (محمد) الذي قال: (فضل العلم خير من فضل العبادة)(اطلب العلم ولو في الصين) وكثيراً من الأحاديث التي تثني على العلم وتحض عليه. ذلك أن مصدر اقتناع العلم ومصدر اقتناع محمد واحد: الكون وملاحظة ما فيه من إبداع ينم عن يد الخلاق العظيم.
في كتاب حديث العالم انشتين فصل ذكر فيه رأيه في الدين، قال إنه يعتنق ما يسميه (الديانة الكونية) تلك الديانة التي تملأ قلب كل عالم انقطع لتأمل (ذلك التناسق العجيب بين قوانين الطبيعة وما يخفي من عقل جبار لو اجتمعت كل أفكار البشر إلى جانبه لما كونت غير شعاع ضئيل أقرب القول فيه انه لا شيء).
لا ريب عندي أن إحساس انشتين نحو الكون والله هو عين إحساس محمد يوم كان يتحنث في غار حراء قبل نزول الوحي. لنما الأنبياء والعلماء قلوب واعية تشعر بجلال الله. ولا يمكن لنبي أن يكون نبياً إلا أن يشعر من تلقاء نفسه بعظمة الخليقة ويتحرق شوقاً إلى معرفة صانعيها، ولا يزال الشوق بقلبه حتى يكشف له الصانع الأعظم عن بعض نوره، ويوحي إليه بنشر هذا النور على الإنسانية. أني كلما تأملت شخصية محمد مجردة ثبت إيماني بأن الخصومة المعروفة بين العلم والدين ليس لها في الحقيقة وجود، وان الدين الحق لا يتعارض والعلم الحق. . . بل إن الدين والعلم شيء واحد، كلاهما يطلب نور الله ويريد وجه، وكلاهما يعي ويؤمن ويلهج بتناسق الوجود ووحدة قوانينه ودلالة وحدة الوجود على وحدة الخالق. ولم يظهر نبي حق ولا عالم حتى شعر بغير ذلك. إنما الفارق بين العلم والدين في السبل التي يسلكها كل في الدنو من الله. ومن قال إن وسائل العلم ينبغي أن تماثل وسائل الفن أو وسائل الدين؟؟؟
إن الطرائق والسبل يجب أن تظل مختلفة مميزة لا يختلط بعضها ببعض، إنما المصدر واحد دائماً والغاية واحدة. فما الدين والعلم والفن إلا خيوط ثلاثة كتب على بشريتنا القاصرة العمياء أن تتمسك بها لتهتدي إلى ذلك النور الذي لا بداية له ولا نهاية: الله
إن الإسلام وهو أحدث الأديان، وهو الذي لم يخاصم العلم، وهو الذي أتسع صدره لكل