هم من أجناس غير مصرية الأصل. فكان لابد لهذا النظام أن يتجه إلى ممثلي الشعب وزعمائه، وكان لابد له أن يلجأ إليهم في كثير من الأحوال لكي يسترضي ذلك الشعب ويتحبب إليه ويسهل بذلك طريق الحكم. وكان لابد كذلك للشعب من أن يتخذ له ممثلين من صفوفه وأن يجعل له زعماء يهرع إليهم إذا آذاه شيء من جانب الحكومة الأجنبية التي تحكم البلاد.
وكان علماء الأزهر الطبقة المستنيرة من الشعب، وهم الذين يعرفون تقاليد الحكم الإسلامي في الدول الماضية، وهم الذين يعرفون العرف الذي جرت عليه الأجيال الماضية في أيام الحكومات المستقلة الجليلة التي حكمت البلاد من قبل. فكان من الطبيعي أن يتصدر هؤلاء العلماء في الحوادث، وأن يلجأ إليهم أهل مصر عندما تلم بهم ملمة يطلبون إليهم أن ينادوا بالحق الذي يبيحهم إياه القانون، وأن يطالبوا بالحريات التي كفلها لهم العرف والدين في الأجيال المتعاقبة. ولقد تصدر جماعة من هؤلاء العلماء وقاموا بما وجب عليهم في ذلك قياماً محموداً؛ وإنا لذاكرون هنا بعضهم اعترافاً بما كان من فضلهم على البلاد.
ولو شئنا أن نفصل مواقف مشايخ الأزهر في أمور السياسة لما اتسع لذلك مجال القول هنا. ولهذا سنجتزئ بذكر ما كان منهم في موقف واحد في تاريخ مصر في القرن الثامن عشر في الوقت الذي اشتد فيه عبث مراد وابراهيم بالمصريين.
بلغت محاولات مصر نحو الاستقلال قصاراها في عهد علي بك الكبير، ثم قضي عليها إذ كان الوقت لم يحن بعد للاستقلال الدائم، إذ أن الاستقلال لا يمكن أن يدوم إلا إذا قام على دعامة قوية من الشعب، وهذا ما كان ينتظر حدوثه حتماً في يوم من الأيام. غير أن الملك المصري الذي حكم بعد علي بك الكبير لم يكن بأقل منه قدراً، ولا بأهون منه خطراً، ولا بأهدأ منه حماسة للاستقلال. وقد أراد الله ألا تطول أيامه فمات والبلاد في أشد الحاجة إلى وجوده ليقوم على ملكها ويسيطر على زعماتها. فوقعت السلطة في أيد طائشة ليس لها خبرة بالحكم ولا مكانة في القلوب، وأصبح الأمر في يد مراد وإبراهيم وهما من مماليك أبي الذهب، ولكنهما لم يكونا بعد قد صفوا وجربا وظهرا في الحوادث بالمظهر الذي يرشحهما ترشيحاً صادقاً لحكم البلاد، فحكما وكان حكمهما تجربة قاسية.
كان الشعب المصري قد خضع لعلي بك الكبير ولمحمد بك أبي الذهب منذ رأى فيهما