ملكين عظيمين قادرين على حمايته وحكمه، ولكنه لم يجد في مراد وإبراهيم غير طاغيتين متجبرين لا ينظران من الحكم إلا إلى النفع، ولا يعرفان من أساليبه إلا الكبرياء والسطوة. ومنذ رأى في الحاكمين الجديدين هذا تحرك واضطرب ووقف على استعداد للدفاع عن مصلحته وكرامته ثابتاً متنبهاً.
وكان مشايخ الأزهر هم الطبقة المستنيرة من أبناء مصر الصميمين، جاءوا جميعاً من قراها وأريافها ومدنها، فكانوا من بين صفوف الشعب وأبناء الأرض يحسون ما يحسه الناس وينظرون بأعينهم ويسمعون بآذانهم. وقد زادوا على إخوانهم ميزة كبيرة بأنهم حفظوا في صدورهم نصوص الشريعة والآراء المختلفة في أحكامها وحفظوا ما تخلف من تراث القرون من عرف وما يبيحه القانون الإسلامي لأفراده من حقوق وحريات. فكان من الطبيعي أن يقفوا من الشعب المصري موقف الزعامة في كل حادث جليل، وأن ينطقوا باسمه ويعربوا عما في قلبه من الآمال والآلام. فوقفوا على رأس الشعب في كل خلاف قانوني حاول فيه الطغاة أن يخرقوا حرمة القانون، وانتصروا في كل وقفة من وقفاتهم فنصروا فيها القانون والحق، ثم وقفوا يمثلون الشعب في ديوان الحكم فنطقوا باسم مصر وأعربوا عن آمالها وعن شخصيتها، وانتصروا في وقفتهم فأعلوا من اسم الشعب الذي يمثلونه ورفعوا رأسه، ثم وقفوا على زعامة الشعب في نضاله مع الطغاة في سبيل إصلاح الحكم، وانتصروا مرة ثالثة وساروا بشعبهم في سبيل الحصول على ماله من الحقوق والحريات؛ وما كان أجدرهم أن يبلغوا به الغاية والقصد ويقيموا في مصر حكومة وطنية صالحة قائمة على احترام حقوق الأفراد والسعي إلى ما فيه مصلحتهم. وما كان أحراهم لو طال بهم الزمن أن يبلغوا بمصر قصارى ما تصل إليه الأمم الحريصة على حقوقها الساعية إلى الإصلاح.
بعد مضي سنة واحدة من حكم الطاغيتين مراد وإبراهيم ثارت مسألة في خلاف على وقف، ولم يكن للمسألة في ذاتها خطر خاص، بل كان الأمر نضالاً على مبدأ وقف فيه بعض الأمراء يلوحون بالقوة والطغيان، ووقف فيه بعض أفراد الشعب يعتصمون بالحق والشريعة. والتجأ الجانبان إلى المحكمة فحكمت حكمها في الخلاف. وكان في مصلحة الأفراد على رغم ما يريده الأمير المدل بالقوة، فأبى الأمير الإذعان، وأصبح الأمر معلقاً