للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المصريين فأراد أن يبيع نساءهم، مع أن القانون الشرعي لا يبيح بيع الجارية المملوكة إذا صارت أما أو أصبحت حرة، فوقفوا في وجه ولم يمكنوه من ذلك لمخالفته المكفولة للأفراد في الشريعة الإسلامية.

أما في جلسات الديون فلم يكن صوت العلماء أضعف جرساً، فكانوا يعارضون في كل شيء يمس مصالح المصريين حتى في الأمور الخاصة بالدولة ذاتها، فقد عرضت مرة مسألة الديوان خاصة بالاستعانة بجنود من بلاد الدولة العثمانية، فوقف الشيخ العروسي فقال: (إن الأمر لا يحتاج إلى ذلك، فان العساكر الرومية (التركية) لا تنفع بين العساكر المصرية، والأولى استجلاب خواطر الجند بالإحسان اليهم، والذي تعطونه للأغراب أعطوه لأهل بلادكم أولى) وقد أخذ الديوان برأيه في ذلك اليوم.

ولكن العلماء اظهر تمثيلاً للشعب المصري، وأكثر جلالاً في وقوفهم على رأس مظاهرات العامة كلما جد أمر يدعوا إلى الاحتجاج، أو حدث حادث فيه تعرض للحقوق والحريات. ولم تكن تلك الحركات قليلة، كما أنها لم تكن مقصورة على القاهرة، فقد ثارت ثورات في القاهرة، وثارت مثلها في رشيد، ومثلها في طنطا وفي بلبيس. وكان العلماء دائماً على رأس تلك الثورات الشعبية، يظلون كذلك حتى ينتهي الأمر بإذعان القوة للحق. قال الجبرتي في وصف ثورة من ثورات الشعب في الحسينية: (وحضروا إلى الأزهر ومعهم طبول، والتف عليهم جماعة كثيرة من أوباش العامة، وبأيديهم نبابيت ومساوق، وذهبوا إلى الشيخ الدردير فونسهم وساعدهم بالكلام، وقال لهم: أنا معكم) واستقر العزم عند ذلك على جهاد الأمراء الظالمين وإيقافهم عند حد القانون بالقوة ما لم ينتهوا بالقول. وحدث مثل ذلك في طنطا وكان الشيخ الدردير كذلك على رأس المتظاهرين ضد الظلم هناك، قال الجبرتي: (فركب بنفسه وتبعه جماعة من العامة حتى التقى بالأمير، فكلمه ووبخه، وهو راكب على بغلته، وقال لهم: انتم ما تخافون الله) وحدث اصطدام أثناء ذلك بين العامة والحاكم وأتباعه، أصيب فيه جماعة من الجانبين، وضُرب الحاكم نفسه ضرباً شديداً.

وحدث مرة أخرى أن اعتدى موظف إداري وهو (الوالي) أحمد أغا على بعض أهالي الحسينية، وأشتد في مطالبة أحمد سالم الجزار، وأراد القبض عليه مخالفاً في ذلك العهد الذي تعهد به الباشا من قبل، ألا يمس أحد إلا بمقتضى الشريعة الإسلامية. فثار أهل

<<  <  ج:
ص:  >  >>