للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحسينية ثورة هائلة، والتجأوا إلى الشيخ العروسي يلتمسون عنده الحماية من الظلم (وكان الشيخ الدردير قد توفي إلى رحمة الله) فقام الشيخ العروسي بأمر الوساطة في شأنهم، وانتهى الأمر بعد مشادة طويلة بعزل الوالي وتولية والي آخر. قال الجبرتي: ونزل الوالي الجديد من الديوان إلى الأزهر، وقابل المشايخ الحاضرين واسترضاهم. ثم ركب إلى بيته وأنفض الجمع، وكأنها طلعت بأيديهم والذي كان راكباً حماراً ركب فرساً).

وأشتدت مرة وطأة أحد الأمراء على أهل بلبيس في تحصيل الأموال، فالتجأ الفلاحون إلى الشيخ الشرقاوي ليحميهم، فبدأ الشيخ بمخاطبة مراد وإبراهيم، فلما لم يجد لمسعاه أثراً في إصلاح الحال بالسعي السلمي، دعا إلى الثورة فأجتمع له كثير من أهل القاهرة ومن أهل الأطراف، وأوشك الأمر أن يكون ثورة دموية مدمرة، وقضت القاهرة ثلاثة أيام في اضطراب وخوف، قال الجبرتي: (ثم حضر الباشا إلى منزل إبراهيم بك، وأجتمع الأمراء هناك، وأرسلوا إلى المشايخ، فحضر الشيخ السادات والسيد النقيب والشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ الأمير. . . . . . . . . ودار الكلام بينهم وطال الحديث، وأنحط الأمر على انهم (الأمراء) ثابوا ورجعوا والتزموا بما شرطه العلماء عليهم، وأنعقد الصلح. . . . . . . . . وان يكفوا اتباعهم عن امتداد أيديهم إلى أموال الناس. . . . . . . . . ويسيروا في الناس سيرة حسنة. . . . . . . . . وكان القاضي حاضراً بالمجلس، فكتب حجة عليهم بذلك، وفر من عليه الباشا، وختم عليها ابراهيم بك وأرسلها إلى مراد بك فختم عليها ايضاً، وانجلت الفتنة ورجع المشايخ وحول كل منهم وأمامه وخلفه جملة من العامة، وهم ينادون حسب ما رسم سادتنا العلماء).

وبعد فما الذي بين هذا الحال وبين بناء صرح الحريات المصرية كاملاً متماسكاً؟ لقد كان العلماء يبنون ذلك الصرح حجراً حجراً، وكان الشعب من ورائهم يطالب بحقوقه ولا يتنازل عن شيء منها مطالبة المصر على الحياة الكريمة العازمة على التمتع بإنسانيته تمتعاً تاماً. وما كان لمثل هذا الشعب أن ينتهي به السير إلا عندما يريد من العزة والكرامة.

غير ان الله لم يرد ان يكون هذا في ذلك الوقت، فقد نزلت بمصر كارثة الغزوة الأجنبية، غزوة الحملة الفرنسية التي عاقت ذلك السير المجيد وحفرت هوة عميقة بين ماضي مصر المجيد وحاضرها، وبين سعيها في القرن الثامن عشر وسعيها اليوم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>