وتقاليدهم، والخضوع لقضائهم. أما في شأن الدين وحرية العقائد والضمائر فقد كانت السياسة الإسلامية مثلاً أعلى للتسامح، فلم يظلم أحد أو يرهق بسبب الدين والاعتقاد، وكانت تأدية الجزية هي كل ما يفرض على الذميين من النصارى واليهود لقاء الاحتفاظ بدينهم وحرية شعائرهم، ومن دخل الإسلام سقطت عنه الجزية وأصبح كالمسلم سواء بسواء في جميع الحقوق والواجبات. وفي ذلك يقول العلامة دوزي:(لم تكن حال النصارى في ظل الحكم الإسلامي مما يدعو إلى الكثير من الشكوى بالنسبة لما كانت عليه من قبل. أضف إلى ذلك أن العرب كانوا يتصفون بكثير من التسامح، فلم يرهقوا أحد في شئون الدين. . . ولم يغمط النصارى للعرب هذا الفضل، بل حمدوا للفاتحين تسامحهم وعدلهم وآثروا حكمهم على حكم الجرمان والفرج) ثم يقول دوزي عن آثار الفتح الاجتماعية: (كان الفتح العربي من بعض الوجوه نعمة لأسبانيا، فقد أحدث فيها ثورة اجتماعية هامة، وقضى على كثير من الأدواء التي كانت تعاينها البلاد منذ قرون. . .).
غير أن هذه الدولة الجديدة التي بعثها الإسلام في أسبانيا، كانت تحمل منذ البداية جرثومة الخلاف والخطر، وكان المجتمع الجديد، الذي جمع الإسلام شمله ومزج بين عناصره يضطرم بمختلف الأهواء والنزعات، وتمزقه فوارق الجنس والعصبية. كانت القبائل العربية ما تزال تضطرم بمنافساتها القديمة الخالدة، وكان البربر الذين يتألف منهم معظم الجيش يبغضون قادتهم ورؤساءهم من العرب، وينقمون عليهم استئثارهم بالسلطة والمغانم الكبيرة، وكثيراً ما رفعوا لواء العصيان والثورة. وكان المسلمون الأسبان، - وهم المولدون أو البلديون - محدثون في الإسلام يشعرون دائماً بأنه، رغم إسلامهم أحط من الوجهة الاجتماعية من سادتهم العرب. ذلك أن العرب، رغم كون الإسلام، يسوي بين جميع المسلمين في الحقوق والواجبات ويمحو كل فوارق الجنس والطبقات، كانوا يشكون في ولاء المسلمين الجدد، ويضنون عليهم بمناصب الثقة والنفوذ، هذا إلى أن العربي في الأقطار القاصية التي افتتحها بالسيف لم يستطع أن يتنازل عن كبرياء الجنس التي كانت دائماً من خواص طبيعته، فكان مثل الإنكليزي السكسوني يعد نفسه أشرف الخليقة. على أن الخلاف بين العرب أنفسهم كان أخطر ما في المجتمع الجديد من عوامل التفكك والانحلال؛ فقد كانت عصبية القبائل والبطون ما تزال حية في الصدور، وكان التنافس بين الزعماء