بنفسها ولكن بما تدين، وما تفاخر حين تفاخر بخصائصها الذاتية، ولكن بقوة العقيدة التي اعتنقت؛ ويعود تعصبها لنفسها تعصباً للحق الذي آمنت به، وأخلصهم في طاعته، وأشدهم استبسالاً في الدعوة إلى دينه والذياد عنه؛ فكانت هذه المعجزة الإنسانية الكبرى التي انبثق لها هذا الفجر الضاحك فأشرق بالسلام على البشرية كلها، وامتد امتداد القدر يقبض راحته على الدنيا، وانبسط انبساط الأمل بتناول كل ما في الوجود، ورسم للانسانية حدود سعادتها في معاني الإخاء والمساواة والحرية!
تذامر الملاُ من أشراف مكة على محمد وأصحاب محمد ليفتنوهم عن دينهم، فآذوهم في أنفسهم وأهليهم وأموالهم، وأخذوا بكل نكال، حتى بلغوا من تعذيبهم الغاية ولم يبلغوا من مسلم أربا؛ ورأوا أمر الله أغلب من أمرهم في هذه القلوب، فمضوا يقتنون في الكيد لهم ما يتورعون من شر. وأيقن المستضعفون من المسلمين أن لا مقام لهم على هذا الهوان خوف الفتنة، فجلوا عن أراضيهم وديارهم فراراً إلى الله بدينهم. . .!
وأنطلق عثمان بن مضعون يقدم الفوج الأول مهاجرين إلى الحبشة، تفيض أعينهم من الدمع حزناً، أن تركوا أموالهم وأولادهم وعشيرتهم، منهم الراجل قد ثقلت عليه نفسه، والراكب قد ناء بما يحمل من همه. حتى انتهوا إلى البلد الذي أرادوا.
وأمنوا الفتنة، يروحون ويغدون في ظل ملكٍ كريم. أتراهم على ذلك قد اطمأنت بهم الدار؟ ومن أين للغريب النازح عن أهله وأحبابه أن تستقر به الدار!
وطال بهم الحنين إلى بلدهم والى مشرق النور من وجه النبي الكريم، يستروحون من كل نسمة تهب من أرض الحجاز ذكرى تشوق وحنيناً يستجد. فما كذبوا أن جاءهم بشير بإسلام قريش، فقفلوا آملين مستبشرين، وما منهم إلا مشرق الوجه تحدثه نفسه حديث المبعد يوشك أن تستقر به النوى ويلقى عصاه بين أحبته وأهله وملاعب صباه!
ثم ما هي إلا أن دانوا مكة وبدت لهم أعلامها وهبت عليهم نسماتها، حتى انكشف لهم أن إسلام قريش لم يكن إلا أمنية. . . فألقوا على الوطن المهجور نظرة اللهفان فاتته المنى، ثم لووا عنان الركب عائدين إلى المهاجر، وإن قلوبهم لتتلفت مودعة وما سعدت باللقاء. . .!
وتحدرت دمعتان على وجه عثمان إذ حضرته صورة المصطفى من الله، فهفت نفسه إلى لقائه، وهان عليه مايستهدف له من أذى المشركين ما دام سعيداً بطلعة النبي، يراه في كل