للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليست القصة غريبة ولا طريفة، وإنما هي شيء مألوف نكاد نقرءه في كل كتاب (استغفر الله) نكاد نقرءه في كتب كثيرة ألفت في القرن الماضي، ونكاد نجده في كل كتاب من كتب الأدب العربي حين يتحدث عن العشاق الذين يضنيهم الحب حتى يسلمهم إلى الموت. فقد أحبت سلمى فتحي من قرية مجاورة لقريتها في شمال لبنان. مرض أبوها وقامت أمها على تمريضه وانفردت هي بالذهاب إلى المزرعة فلقيت فيها هذا الفتى الغني الموسر المثقف بعض الشيء. فمال الفتى إليها ومالت هي إليه ثم تحدثا ثم عرف كل منهما أمر صاحبه. ثم ملأ الحب قلب الفتاة وملك عليها نفسها، ثم بريء الأب من مرضه وانقطع لقاء المحبين فكانا يختلسان ساعات يلتقيان فيها. ثم ظهر الأب على بعض الأمر. فضرب الفتاة وذهب يعاتب الفتى ويعرض عليه الزواج. فاعتذر وأرسله عمه إلى مصر يلتمس فيها الثروة ويبدد فيها حبه على ضفاف النيل، وأصاب الفتاة حزن عميق كان الأمل يخففه حيناً ويضاعفه أحيانا. ثم كان اليأس. وزوجت الفتاة من شاب كان يكلف بها. فحاولت أن تخلص له وجدّت في ذلك ولكنها لم تستطع أن تخلص من حبها القديم فيضعف قلبها وجسمها عن الوفاء بحبها الأول والإخلاص لحب زوجها فيأخذها مرض، ما يزال بها حتى ينقذها من هذه الحياة.

فأنت ترى أن ليس في القصة شيء غريب مبتكر، ولكن جمال القصة مع ذلك شيء لا سبيل إلى الشك فيه، ومصدره فيما يظهر هذا التصوير الفوتوغرافي الذي ينقل إليك قرية من قرى لبنان. وما فيها من حياة نحب سذاجتها، ووداعتها، وجمالها الطبيعي الذي لم يفسده التكلف، ولم يشوهه الإغراق في الحضارة. والذي يمتزج فيه الإيمان الخالص الحر بالحياة الخالصة الحرة. نعم ونحب في هذه الحياة التي يملؤها النشاط المنتج في فصل العمل، وتملأها الراحة الهادئة في فصل السكون، ولعلنا نحب أيضا هذا النوع من العشق الذي ينبعث من القلب الإنساني في غير تكلف ولا ترف ولا تأثر بفلسفة العقل وتهالكه على البحث والتحليل والاستقصاء. ثم نحن نحب بعد هذا كله وفوق هذا كله هذه الصور الفوتوغرافية لطبيعة لبنان في أشكالها المختلفة. لهذه الجبال الشاهقة يكسوها الجليد إذا كان الشتاء، ويزينها الربيع بالشجر المخضر. ولهذه الوديان التي يجاهدها الإنسان جهاداً عنيفاً ليستخرج منها القوت الذي يستعين به على الحياة، وحب اللبنانيين القوي الصادق الساذج

<<  <  ج:
ص:  >  >>