لطبيعتهم وجبالهم وأوديتهم، حتى انهم ليفتتنون بها فتنة تجعلهم جميعاً شعراء.
والغريب من أمر هذه القصة أنها ليست صادقة في تصوير موضوعها وحده، بل هي صادقة في تصوير ناحية من نواحي الكاتبة نفسها، أريد بها ناحية المهارة الفنية، ففي أولها شيء من الضعف والبطء واستقصاء اللغة، كأن الكاتبة تجاهد نفسها بعض الشيء، حتى إذا مضت في القصة مرحلة أو مرحلتين أصبح قلمها طيفاً وألقت إليها اللغة الفرنسية أعنتها واستقاد لها الأسلوب الفرنسي فانطلقت حرة سمحة كأنها قد أتمت التمرين. لهذا كان آخر الكتاب خيراً من أوله. ولهذا كان من حقنا أن نثق بأن الكتاب الذي ستصدره مدام خير سيكون خيراً من الكتاب الذي أصدرته. وإذا لم يكن بد من أن ألاحظ بعض العيب فقد آسف لأن شيئاً من التهاون في اللغة لم يبرأ منه الكتاب فقد استعملت ألفاظ عامية مبتذلة لا ينبغي ان توجد في كتاب أدبي إلا أن تدعو إليها النكتة. ولعل من أوضح الأمثلة لذلك ما يوجد في صفحة ٧٢ و١٤٠. وجملة القول أننا مدينون لمدام خير بساعات لذيذة قيمة قضيناها مع هذا الكتاب الممتع ولكن أملنا أكثر جدا من رضانا. فلنشكر لها جهدها الأول ولنهنئها به، ولننتظر من جهودها المقبلة خيراً كثيراً.
أما قصة (أهل الكهف) فحادث ذو خطر، لا أقول في الأدب العربي المصري وحده. بل أقول في الأدب العربي كله. وأقول هذا في غير تحفظ ولا احتياط. وأقول هذا مغتبطا به مبتهجا له. وأي محب للأدب العربي لا يغتبط ولا يبتهج حين يستطيع أن يقول وهو واثق بما يقول أن فناً جديدا قد نشأ فيه وأضيف إليه، وإن بابا جديدا قد فتح للكتاب وأصبحوا قادرين على أن يلجوه وينتهوا منه إلى آماد بعيدة رفيعة ما كنا نقدر أنهم يستطيعون أن يفكروا فيها الآن.
نعم هذه القصة حادث ذو خطر يؤرخ في الأدب العربي عصراً جديداً. ولست أزعم أنها قد حققت كل ما أريد للقصة التمثيلية في أدبنا العربي، ولست أزعم أنها قد برئت من كل عيب، بل سيكون لي مع الأستاذ توفيق الحكيم حساب لعله لا يخلو من بعض العسر. ولكني على ذلك لا أتردد في أن أقول أنها أول قصة وضعت في الأدب العربي، ويمكن أن تسمى قصة تمثيلية حقاً، ويمكن أن يقال إنها أغنت الأدب العربي وأضافت إليه ثروة لم تكن له. ويمكن أن يقال إنها قد رفعت من شأن الأدب العربي وأتاحت له أن يثبت للآداب