الأجنبية الحديثة والقديمة. ويمكن أن يقال إن الذين يعنون بالأدب العربي من الأجانب سيقرءونها في إعجاب خالص لا عطف فيه ولا إشفاق ولا رحمة لطفولتنا الناشئة. بل يمكن أن يقال إن الذين يحبون الأدب الخالص من نقاد أجانب يستطيعون أن يقرءوها إن ترجمت لهم، فسيجدون فيها لذة قوية وسيجدون فيها متاعاً خصباً، وسيثنون عليها ثناء عذبا كهذا الذي يخصون به القصص التمثيلية البارعة التي ينشئها كبار الكتاب الأوربيين.
أهذه القصة مصرية؟ أهذه القصة أوربية؟. . ليست مصرية خالصة ولا أوربية خالصة، ولكنها مزاج معتدل من الروح المصري العذب والروح الأوربي القوي. وقد يكون من العسير على غير الفنيين أن يفرقوا بين هذين الروحين اللذين تتألف منهما القصة.
ولكن الذين لهم مشاركة قوية في الأدب العربي والأجنبي يستطيعون أن يتميزوا هذين الروحين حين يجدون في القصة سهولة النفس وعذوبتها، وحين يشعرون بهذا العبث الخفيف الذي يضطرهم إلى الوقوف من حين إلى حين وهم يقرءون، وحين يجدون ألفاظاً وجملا تصور النفس المصرية الآن كما صورتها في أزمان مختلفة منذ كان للمصريين أدب عربي، ثم حين يجدون هذا التفكير العميق الخصب الدقيق الذي يلح في التعمق ويغلو في الدقة، ويأبى أن يترك حقيقة من الحقائق عرضة للشك أو هدفا للغموض، إلا أن يكون الكاتب قد تعمد ذلك وأراده وأبى أن يرسل نفسه فيه على سجيتها مراعاة لبعض الظروف.
كل هذا يمكن النقاد من أن يتبينوا في هذه القصة روحاً مصرياً ظريفاً وروحا أوربياً قوياً. ولنقف وقفة قصيرة عند موضوع القصة وشكلها.
فأما موضوع القصة فلم يخترعه الكاتب وإنما استكشفه، وفرق ظاهر بين الاختراع في الأدب والاستكشاف. ولعل الاستكشاف أن يكون أصعب في كثير من الأحيان من الاختراع، وهو في قصتنا هذه صعب عسير. موضوع القصة موجود في القرآن الكريم، وهو قبل أن يوجد في القرآن كان معروفاً في القصص المسيحية التي لها حظ من التقديس. ويكفي أن تعلم أنه حديث أهل الكهف الذين أشفقوا من اضطهاد ملك رومي للمسيحيين ففروا بدينهم من هذا الملك الظالم وأووا إلى الكهف فناموا فيه ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا. ثم بعثهم الله عز وجل فأنكروا الناس وأنكرهم الناس فعادوا إلى كهفهم وفيه قبضهم الله إليه.