وتنبعث في كل أذن من هذا الصوت نغمة، وفي كل قلب من هذا النور إشراق. فيهب الأصحاب من مراقدهم، تقشعر جلودهم، وتطمئن قلوبهم. فتستيقظ كل دار بأهبة الصلاة من الرجال والنساء والولدان والولائد.
وينزل بلال فيقف بباب الحجرة النبوية قائلاً:(حي على الصلاة، حي على الفلاح. الصلاة يا رسول الله).
ويسفر النهار وتنثال الجموع إلى المسجد فانظر من ترى:
يخرج نفر إلى المسجد من خوخات في دورهم، فهذا الآدم الربعة عظيم العينين ذو البطن سيف الله الغالب علي بن أبي طالب، يخرج من حجرة فاطمة. وهذا الآدم الطويل الجسيم الأصلع عمر الفاورق، وهذا الأسمر الرقيق البشرة ضخم المنكبين كثير شعر الرأس عظيم اللحية عثمان ذو النورين، والصديق كان في السُّخْ هذه الليلة فيقدم مسرعاً فتراه أبيض نحيفاً معروق الوجه غائر العينين خفيف العارضين أجنأ. ويقبل من دور بني زهرة بجانب المسجد ثلاثة: أحدهم قصير دحداح ذو هامة عظيمة، شثن الأصابع، كثير الشعر يخضب بالسواد، هو سعد بن مالك بن أبي وقاص، والثاني آدم نحيف قصير له شعر يبلغ ترقوته، يلبس ثوباً ناصع البياض، تضوع منه ريح الطيب، يمشي في وقار وسمت، هو عبد الله بن مسعود، والثالث ضخم طويل الجسيم خالد بن الوليد، وهذا القصير الأبلج الأدعج عمرو بن العاص، وفي أثرها رجل جميل عظيم الهامة مكتحل يخطر في مشيته هو معاوية بن أبي سفيان، وبجانبه رجل نحيف طوال معروق الوجه خفيف اللحية اجنأ أثرم الثنيتين هو أبو عبيدة ابن الجراح. ويقبل من ناحية الحرة الشرقية رجلان: سعد بن معاذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج؛ ويأتي رجل طويل نحيف كثير الشعر عليه سيما الحزن هو سليمان الفارسي، ووراءه رجل ربعة أحمر شديد الحمرة كثير شعر الرأس، يخضب بالحناء هو صهيب الرومي؛ وانظر بين الجمع طلحة والزبير وأبا موسى الأشعري وأبا أيوب الأنصاري. ويأتي بنو الصحابة، فهذا الغلام الطويل الأحمر عبد الله بن عمر، وهذا الغلام الطويل الأبيض المشرب بالصفرة الجسيم الوسيم الصبيح الوجه عبد الله ابن العباس، وهذا الصبي الذي يشبه أبا بكر عبد الله بن الزبير.
ويخرج رسول الله صلوات الله عليه، فيقيم بلال الصلاة: الله أكبر الله أكبر الخ، فيسوي