الرسول الصفوف، ويسد الفرج فيها ويكبر فيكبرون. ويذهب هذا التكبير نغمة متسقة بين ضوضاء العالم وجلبته في الأرجاء طمأنينة لقلوب، ورعدة لقلوب، ورجاء لقوم، وخوفاً لآخرين، يبشر الضعفاء والمظلومين بملكوت الله في الأرض، وينذر الجبارين والظالمين بالقصاص العادل. إنما مزق شمل الظالمين هذه الصفوف لا صفوف القتال، وإنما زلزل عروش الجبارين ذلك التكبير لا وقع النبال.
ويقرأ الرسول في الركعة الأولى آيات من سورة النور منها:(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً. ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون).
ويقرأ في الركعة الثانية آيات من سورة الحج منها:
(إن الله يدافع عن الذين آمنوا، إن الله لا يحب كل خوان كفور. أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا، وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربُّنا الله، ولولا دفع الله الناسَ بعضَهم ببعض لهدّمت صوامعُ وبيعٌ وصلواتٌ ومساجدٌ يذكر فيها اسمُ الله كثيراً. ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقوّي عزيز. الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوُا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور).
هذه جماعة يمحصها الله ليورثها أرضه، ويعلمها لتقوم بين الناس بعدله. وهذا الصف من العُبّاد يجمع خلفاء الأرض وأمراءها وولاتها وقضاتها ومعلميها وقوادها وجندها، وتلك الشرذمة من الزهاد هم ورثة العروش والتيجان عما قليل، الذين يقسم الله رزقه بأيديهم، ويصرف حكمه في الأرض بألسنتهم. جماعة تضمهم جُدُر المسجد اليوم ولا يسعهم العالم غداً، جماعة في أرض فقيرة بين لابتين، سينشرون بين المشرقين والمغربين، وستجفُ الأرض بحملاتهم، وتقر بعدلهم، وتضيء بإيمانهم قضيت الصلاة وانتشر المصلون.
لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده. قد فتحت بهذه الجماعة الأقطار، وعمرت بهم الأمصار، هذا عمر في الشام قد أزال عنها سلطان الروم، ثم جاءها ليبرم العهود، ويتفقد الرعية؛ وهذا بلال في جيش المجاهدين غازياً؛ ينظر عمر إلى بلال يود أن يسمع آذانه، ويهاب أن يستمع لمؤذن رسول الله. ويقول الناس لعمر: لو أمرت