وهنالك أسباب تحملنا على الاعتقاد بأن العرب عدلوا دوزان (عودهم) على النمط الفارسي. فقد كان الدوزان العربي القديم كما يظهر - ولكن بدخول النمط الفارسي لحن على - ولعل هذا يوضح لنا الأسماء الفارسية (زير) و (بم) المرموز للوترين الأول والرابع بينما الوتر الثاني والثالث اللذان لم تصبغهما الفارسية ظلا محافظين على أسميهما العربيين وهما: المثنى والمثلث.
أما الخطة التي سار عليها البيزنطيون في قضية النظرية الموسيقية فليس لنا بها علم، فمنذ القرن الرابع حتى القرن الحادي عش الميلادي - وهو يشمل القسم الأكبر من عهد البيزنطيين - لم تصلنا مؤلفات بيزنطية. ومن المرجح أنه لم يكتب شيء بالنظر إلى الحالات الثقافية التي نعرفها، ومن المؤكد أن اللاتينيين (امدوا وو وفي القرنين الخامس والسادس، ولكنهم لم يدونوا نظرية معاصريهم، كلا ولا خبرة اللاتين لأن تأليفهم عبارة عن مجموعات للمشتغلين بالأمور النظرية من اليونان القدماء. أما الشيء القليل الذي نعرفه في هذه الحقبة عن نظرية البيزنطيين ومزاولتهم للموسيقى، فقد أتى إلينا من مصادر عربية وسريانية.
ليس لدينا رسائل بيزنطية أو فارسية تثبت وجود الموسيقى حتى القرنين الحادي عشر تقريباً. ولكن حق للعرب أن يفاخروا بعشرات من الرسائل القديمة. ويجب علينا قبل كل شيء أن نكون حذرين في قبول الروايات المختصة بما اقتبس العرب من الفرس والبيزنطيين. أما أن يتسرب شيء من التأثير من هذين المصدرين فمن الممكن تجويزه.
وأول خبر لدينا عن تأثير فارسي وبيزنطي محدود في الموسيقى العربية، هو ما ذكره الأغاني عند كلامه عن ابن مسجح الذي يعزى إليه إدخال الأنغام الموسيقية الأجنبية على الفن المحلي.
يقول صاحب الأغاني: (وفي سورية تعلم ابن مسجح الألحان الرومية وتلقى إرشادات الباربطية والأسطوخسية. وبعد ذلك انقلب إلى فارس فأخذ بها غناء كثيراً وتعلم الضرب ثم رجع إلى الحجاز وقد أخذ محاسن تلك النغم وحذف منها ما استقبحه من النبرات والنغم والتي هي موجودة في نغم غناء الفرس والروم خارجة من غناء العرب.
فما اقتبسه العرب فيما بعد من البيزنطيين والفرس لا يمكننا إثباته بالتحقيق، ومن المحتمل