محسوس تستطيع أن تتناوله تجارب الإنسان، لكن ما لا تستطيع أن تتناوله التجارب مما يتعلق بنفس إنسانية الإنسان فقد اقتضت حكمة الله سبحانه ورحمته أن يتولاه هو من الإنسان، لا بتعريفه بتلك السنن كما نعرف أمثالها في العلوم، ولكن بتيسيره للإنسان الاستفادة من تلك السنن كما لو كان محيطاً بها، خبيراً بطرق تطبيقها على نفسه وعلى مجتمعه. وما الدين إلا النظام العملي الكامل لحياة الإنسان طبق الفطرة التي فطرها سبحانه عليها. والفرصة بعد فسيحة أمام الإنسان ليعرف قوانين تلك الفطرة بالبحث والنظر إذا شاء وإذا سلك إليها الطريق. ولكن سبيل ذلك التجارب يجريها الفرد في معمله، لأنه إن استطاع أن يخضع المادة والطاقة بل والخلية الحية في معمله للتجربة فلن يستطيع أن يخضع الروح لمثل ذلك. وإن استطاع ذلك إلى حد لا يكاد يذكر في امتحان الفرد، فلن يستطيع ذلك إلى حد ما في الجماعة. لا. ليس طريق الوصول إلى سنن الله في الاجتماعيات التجربة العلمية، إنما سبيل ذلك النظر العلمي في تاريخ الأنبياء، وفي شرع الله بواسطة الأنبياء للناس. حوادث ذلك التاريخ وأحكام الله كما تبينها أفعال أنبيائه، وكما تنطق بها كتبه المنزلة، هي المادة التي يجب أن يستخلص منها سنن الله في الناس، كما إن نتائج التجارب العلمية هي المادة التي يستخلص منها سنن الله في غير الإنسان. وكل الذي يتطلبه العلم في هذا، إذا قدر أن يتجه العلم هذا الاتجاه، هو صدق المادة؛ هو صحة حوادث التاريخ وصحة نسبة الأحكام. ولا أدري إلى أي حد ممكن الاعتماد الآن على ما كان قبل الإسلام من ذلك، إنما الذي أدريه أن ما كان في الإسلام من ذلك ممكن الاعتماد عليه كل الاعتماد. ممكن الاعتماد على ما ضبط وصحح من حوادث النبوة وأفعال الرسول وهو شيء كثير، أما القرآن فهو المعين الذي لا يغيض، والكنز الذي لا يفنى، والكتاب الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد).
لكن العلم لن يستطيع الانتفاع بذلك أو يؤمن، وأظن العلم يقترب شيئاً فشيئاً من الإيمان.