في نفسه أن يتزوج من ابنة العميد. ولم يكن موقناً من حبها، ولكنه جلس فكتب لها كتاباً وثق أنها لن تقرأه حتى تحبه. كتب لها. (ليس في ما يجذب فتاة صغيرة مثلك، ولكن ذاكرتي تطمئنني إلى أن الذين عرفوني حق المعرفة، أحبوني أصدق الحب).
وتزوجته، فصارت بذلك أشهر الزوجات في التاريخ، ومن أكثرهن مكابدة ومقاساة، من أكثرهن هناءة وسعادة من بعض الوجوه - وسنذكر في هذه القصة الكثير عنها.
ولما أصبح رب أسرة، زاد بذله من نفسه للعمل، فنسى ما تفرضه الزيجة الحديثة على الزوج من واجبات، وما تنتظره من محاسنات وملاطفات. وغلا فقلب ليله بالعمل نهاراً. كتب في ذلك يقول:(أنا على وشك أن أرفع الحجاب عن خبايا غامضة. وأرى هذا الحجاب يشف كل يوم عنها، ثم يشف، ثم يزداد شفوفاً. وتطول الليالي عليّ في انتظار الصباح. وزوجي كثيراً ما تؤنبني للسهر، فأقول لها: (إنني بذلك إنما آخذ بيمينها إلى حظيرة الخالدين) واستمر ببحث البلورات، ويسلك لاكتنانها طرائق لا تلبث أن تنسد في وجهه فيرتد عنها خائبا، ويدبر التجارب كل سخيف مستحيل، تجارب لا تصدر إلا عن عقل مخبول، ولكنها كانت من ذلك النوع الذي لو صادف نجاحا لصير هذا المخبول عبقريا يدوي اسمه في الآفاق؛ فوضع الأشياء الحية بين مغناطيسيين كبيرين رجاء أن يغير بذلك كيمياء الحياة فيها. واخترع مكنات كمكنات الساعات، وعلق بها النباتات فأخذت تهتز كالبندول روحة وجيئة، وحسب بذلك أنه يهز ذراتها في جزيئاتها، وحسب أنها تحول عن أوضاعها القديمة إلى أوضاع جديدة تنتسب إلى الأولى انتساب الشيء إلى خياله في المرآة، أو كما ينتسب من حامض الدّردي جزئيه الأيمن بجزيئه الأشول. . وأراد أن يقلد الله فحاول أن يغير فصائل الأحياء
وكانت زوجه تسهر الليالي إلى جانبه، وتعجب بما يصنع، وتثق به، وتؤمن بكل الذي يأتيه. كتبت إلى أبيه تقول:(يجب أن تعلم أن التجارب التي هو قائم بها الآن، لو نجحت، فستخلق منه رجلاً يناهض في الذكر (نيوتن)، ويطاول في المجد (جاليلو)). لسنا نستطيع اليوم أن نؤكد أن مدام (بستور) كانت تقول ذلك فهماً لما يقوم به زوجها، أم هو إعجاب المرأة ببعلها، وعلى كل حال فلم تتحقق آمالها هذه المرة فإن تجارب (بستور) هذه كان نصيبها الخيبة.