لنختصر: لم ينتجع وسيلة لحمله على تغيير رأيه، ولو كان رئيس الشركة التي تعاقد معه إيطالياً، لترك الأرباح التي قد تنجم عن هذا الاتفاق، ولترك المؤلف يسدر في عناده وجنونه، ولكنه كان أمريكياً، وللأمريكيين عقل خاص، وتفكير خاص يميزانهم عن غيرهم. ولم يمض شهر، حتى كان كل شيء قد تم: حفظت الرواية وروجعت وأقيم المسرح في بقعة جميلة. أما ما جرى في (بونتاسياف) في ذلك الوقت، فأمر لا يستطاع تصويره أو وصفه، ولا شك أن بينكم أناساً وجدوا فيها، في ذلك الحين، وهؤلاء وحدهم يستطيعون أن يذكروا كيف احتلت الغرف المعدة للإيجار احتلالا لا يفرق عن الاحتلال العسكري بشيء، وكيف أن الجموع الغفيرة تسابقت إلى فلورانسا وإلى (اريزو) لتبحث لها عن مبيت، وكيف أنها عادت إلى (بونتاسياف) لتحضر تمثيل الرواية، وتعود بعد منتصف الليل إلى إحدى المدينتين المذكورتين. . ولا شك انهم يذكرون أيضاً أنه كان بين المتفرجين أناس تقاطروا من أقصى البلاد، بينهم كثير من النقاد المسرحيين، ورؤساء شركات التمثيل الأجنبية. . . . وقد كان بينهم صحفيون اضطروا خدمة للفن أن يبيتوا ليلة كاملة في القطار، وان يضيعوا يوما كاملا في ساحة (بونتاسياف) وأن يمضوا ليلة ثانية متعبة، في دائرة البرق، حيث ظن عامل التلغراف المسكين، إن الساعة اقتربت، وإن القيامة قامت!!!
وليست هذه بالمعركة الأولى التي استبسل فيها (مارك سيريني) بطبعه الهادئ الرزين، ولكنها كانت أشد المعارك كلها وأحماها وطيساً، لأن تلك الرغبة الشاذة، التي شاءت أن تضطر محبي الفن للمجيء إلى (بونتاسياف) تركت أسوأ الأثر في النفوس، حتى أن القادمين كانوا على أتم استعداد لأن يثأروا لأنفسهم!
وهكذا فانه قبل أن يرفع الستار بساعتين، أسرع أصدقاء (سيريني) إليه، وأخبروه أن الجو مكهرب، وأن عواصف السخط والغضب لن تلبث أن تصدم الرواية صدمة عنيفة، ربما كانت لا تقوى على احتمالها، ولكن المؤلف أجابهم بلهجة حازمة:
- إذا كانت لديهم سهام فليسددوها!. . وإذا كان لديهم قنابل فليقذفوها!. . أما أنا ففي غنى عن آرائهم: لا يهمني هذا المساء، غير رأي شخص واحد!