ولم يزد على ذلك كلمة لأنه كان يحرص كل الحرص على أن يخلص بسره لنفسه. . . أما الناس فقد ذهبوا في الظن كل مذهب. .
- ٥ -
ومع ذلك، ورغم هذا الحرص فانه لم يضن على به. . من عادة (سيريني) أن يتخلف عن حضور رواياته، عند تمثيلها لأول مرة، ومن عادته أيضاً أن يدور حول المسرح كما تدور الفراشة حول الضوء، حتى إذا أخذ اللهيب بأحد أجنحتها لجأت إلى الهرب فإذا نسيت اللهيب وأثره في جسمها عادت تحوم حول الضوء وحول الخطر، و (سيريني) يحاول ان يتظاهر بالهدوء. وأن يتحدث عن أشياء لا مساس لها بالرواية حتى إذا أصابها الإخفاق فقد رزانته وشرع يصب جام غضبه طيلة الليلة بكاملها على تلك الجموع المأفونة التي لا تقدر الفن، ولا تفهمه، ولا تستحق أن تفهمه، ورماها بأقبح الوصمات وأشنعها.
أخذنا نتنزه سوية، ذلك المساء في أزقة القرية التي استحالت في ساعة من الزمن إلى ميدان تتزاحم فيه السيارات، ويتكدس بعضها فوق البعض الآخر. . وكان الشاعر يبتسم، ويطلعني بهدوء على الأسباب التي حدت به لأن يثير عليه سخط تلك الجموع الغفيرة، وكان يقول لي وهو يضغط على يدي:
- أفهمت؟. . أفهمت؟. . أني إذا كنت أصررت ألا تمثل روايتي لأول مرة إلا في (بونتاسياف) فلأني أريد أن استثير إعجابها!!. . تلك هي الغاية الوحيدة التي أرغب في إدراكها من غرامي الغريب!
- آه!. . . لو انك رأيتها في ذلك اليوم، لصهرك حبها رغم ما أنت عليه من (برود)، وبعد، فأنا لست أعتقد إن بين الذكور، رجالا ينطبق عليهم هذا الوصف، وإنما هم جميعاً في نظري، براكين هادئة. تثيرها مشاهدة امرأة، وتجعلها أشد هياجاً من البراكين الدائمة الإستعار! آه. . لو رأيتها وهي تطل من فتحة النافذة!. . . ها. . . . ها هي. . . . نافذتها!
- كانت نافذتها مغلقة، وهي ذات درفات خضر، وواجهة وردية. . . . كانت محكمة الغلق، لا يتسرب من خصاصها أقل بصيص نور، فسر (مارك) لذلك، وقال بلهجة المنتصر:
- لم يبق أحد في داره!. . . لقد ذهبت (المدينة) بأسرها لمشاهدة روايتي!. . . وهي، هي. . . هي في هذه الساعة، هناك، مأخوذة بجمال روايتي وقوتها، تكتسحها موجة الإعجاب